وقوله:( فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ) أي:خالق الضياء والظلام ، كما قال في أول السورة:( وجعل الظلمات والنور ) فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضيء الوجود ، ويستنير الأفق ، ويضمحل الظلام ، ويذهب الليل بدآدئه وظلام رواقه ، ويجيء النهار بضيائه وإشراقه ، كما قال تعالى ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ) [ الأعراف:54] ، فبين تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه ، فذكر أنه فالق الإصباح وقابل ذلك بقوله:( وجاعل الليل سكنا ) أي:ساجيا مظلما تسكن فيه الأشياء ، كما قال:( والضحى والليل إذا سجى ) [ الضحى:1 ، 2] ، وقال ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) [ الليل:1 ، 2] ، وقال ( والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها ) [ الشمس:3 ، 4] .
وقال صهيب الرومي رضي الله عنه لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره:إن الله جعل الليل سكنا إلا لصهيب ، إن صهيبا إذا ذكر الجنة طال شوقه ، وإذا ذكر النار طار نومه ، رواه ابن أبي حاتم .
وقوله:( والشمس والقمر حسبانا ) أي:يجريان بحساب مقنن مقدر ، لا يتغير ولا يضطرب ، بل كل منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء ، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا ، كما قال تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) الآية [ يونس:5] ، وكما قال:( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس:40] ، وقال ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) [ الأعراف:54] .
وقوله:( ذلك تقدير العزيز العليم ) أي:الجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف ، العليم بكل شيء ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، يختم الكلام بالعزة والعلم ، كما ذكر في هذه الآية ، وكما في قوله:( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [ يس:37 ، 38] .
ولما ذكر خلق السماوات والأرض وما فيهن في أول سورة ( حم ) السجدة ، قال:( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ فصلت:12] .