ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض ، وتذليله إياها لهم ، بأن جعلها قارة ساكنة لا تمتد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال ، وأنبع فيها من العيون ، وسلك فيها من السبل ، وهيأها فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار ، فقال:( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ) أي:فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا ، إلا أن ييسره الله لكم ; ولهذا قال:( وكلوا من رزقه ) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول:إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول:إنه سمع عمر بن الخطاب يقول:إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ".
رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث ابن هبيرة وقال الترمذي:حسن صحيح . فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق ، مع توكلها على الله ، عز وجل ، وهو المسخر المسير المسبب . ) وإليه النشور ) أي:المرجع يوم القيامة .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي:( مناكبها ) أطرافها ، وفجاجها ، ونواحيها . وقال ابن عباس ، وقتادة:( مناكبها ) الجبال .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن بشير بن كعب:أنه قرأ هذه الآية:( فامشوا في مناكبها ) فقال لأم ولد له:إن علمت ) مناكبها ) فأنت عتيقة . فقالت:هي الجبال . فسأل أبا الدرداء فقال:هي الجبال .