وقوله:( عتل بعد ذلك زنيم ) أما العتل:فهو الفظ الغليظ الصحيح ، الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، وعبد الرحمن ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ". وقال وكيع:"كل جواظ جعظري مستكبر ".
أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، كلاهما عن معبد بن خالد به .
وقال الإمام أحمد أيضا:حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي ، قال:سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند ذكر أهل النار:"كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع ". تفرد به أحمد .
قال أهل اللغة:الجعظري:الفظ الغليظ ، والجواظ:الجموع المنوع .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم قال:سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العتل الزنيم ، فقال:"هو الشديد الخلق ، المصحح ، الأكول ، الشروب ، الواجد للطعام والشراب ، الظلوم للناس ، رحيب الجوف ".
وبهذا الإسناد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري ، العتل الزنيم "وقد أرسله أيضا غير واحد من التابعين .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن زيد بن أسلم قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا مقضما ، فكان للناس ظلوما . قال:فذلك العتل الزنيم ".
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ، ونص عليه غير واحد من السلف ، منهم مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم:أن العتل هو:المصحح الخلق ، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح ، وغير ذلك ، وأما الزنيم فقال البخاري:
حدثنا محمود ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس:( عتل بعد ذلك زنيم ) قال:رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة .
ومعنى هذا:أنه كان مشهورا بالشر كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها . وإنما الزنيم في لغة العرب:هو الدعي في القوم . قاله ابن جرير ، وغير واحد من الأئمة ، قال:ومنه قول حسان بن ثابت يعني يذم بعض كفار قريش:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال آخر:
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، حدثنا أسباط ، عن هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله:( زنيم ) قال:الدعي الفاحش اللئيم . ثم قال ابن عباس:
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال العوفي ، عن ابن عباس:الزنيم:الدعي . ويقال:الزنيم:رجل كانت به زنمة يعرف بها . ويقال:هو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة . وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسود بن عبد يغوث الزهري وليس به .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس:أنه زعم أن الزنيم الملحق النسب .
وقال ابن أبي حاتم:حدثني يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه يقول في هذه الآية:( عتل بعد ذلك زنيم ) قال سعيد:هو الملصق بالقوم ، ليس منهم .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عقبة بن خالد ، عن عامر بن قدامة ، قال:سئل عكرمة ، عن الزنيم ، قال:هو ولد الزنا .
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله تعالى:( عتل بعد ذلك زنيم ) قال:يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء . والزنماء من الشياه:التي في عنقها هنتان معلقتان في حلقها . وقال الثوري ، عن جابر ، عن الحسن ، عن سعيد بن جبير قال:الزنيم:الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . والزنيم:الملصق ، رواه ابن جرير .
وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم:قال:نعت فلم يعرف حتى قيل:زنيم . قال:وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها . وقال آخرون:كان دعيا .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أصحاب التفسير قالوا هو الذي تكون له زنمة مثل زنمة الشاة .
وقال الضحاك:كانت له زنمة في أصل أذنه ، ويقال:هو اللئيم الملصق في النسب .
وقال أبو إسحاق:عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:هو المريب الذي يعرف بالشر .
وقال مجاهد:الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة . وقال أبو رزين:الزنيم علامة الكفر . وقال عكرمة:الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها .
والأقوال في هذا كثيرة ، وترجع إلى ما قلناه ، وهو أن الزنيم هو:المشهور بالشر ، الذي يعرف به من بين الناس ، وغالبا يكون دعيا ولد زنا ، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره ، كما جاء في الحديث:"لا يدخل الجنة ولد زنا "وفي الحديث الآخر:"ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه ".