ثمّ يسرد تعالى أوصافاً أخرى لهم ،حيث يقول في خامس وسادس وسابع صفة ذميمة لأخلاقهم: ( منّاع للخير معتد أثيم ) .
ومن صفاتهم أيضاً أنّهم ليسوا فقط مجانبين لعمل الخير ،ولا يسعون في سبيله ،ولا يساهمون في إشاعته والعون عليه ..بل إنّهم يقفون سدّاً أمام أي ممارسة تدعو إليه ،ويمنعون كلّ جهد في الخير للآخرين ،وبالإضافة إلى ذلك فإنّهم متجاوزون لكلّ السنن والحقوق التي منحها الله عزّ وجلّ لكلّ إنسان ممّا تلطف به من خيرات وبركات عليه .
وفوق هذا فهم مدنسون بالذنوب ،محتطبون للآثام ،بحيث أصبح الذنب والإثم جزءاً من شخصياتهم وطباعهم التي هي منّاعة للخير ،معتدية وآثمة .
وأخيراً يشير إلى ثامن وتاسع صفة لهم حيث يقول تعالى: ( عتل بعد ذلك زنيم ) .
«عتل » كما يقول الراغب في المفردات: تطلق على الشخص الذي يأكل كثيراً ويحاول أن يستحوذ على كلّ شيء ،ويمنع الآخرين منه .
وفسّر البعض الآخر كلمة ( عتلّ ) بمعنى الإنسان السيئ الطبع والخُلُق ،الذي تتمثّل فيه الخشونة والحقد ،أو الإنسان سيء الخُلُق عديم الحياء .
«زنيم » تطلق على الشخص المجهول النسب ،والذي ينتسب لقوم لا نسبة له معهم ،وهي في الأصل من ( زنمة ) ،( على وزن عظمة ) وتقال للجزء المتدلّي من أذن الغنم ،فكأنّها ليست من الأذن مع أنّها متصلة بها .
والتعبير بشكل عام إشارة إلى أنّ هاتين الصفتين هما أشدّ قبحاً وضعة من الصفات السابقة كما استفاد ذلك بعض المفسّرين .
وخلاصة البحث أنّ الله تعالى قد أوضح السمات الأساسية للمكذّبين ،وبيّن صفاتهم القبيحة وأخلاقهم الذميمة بشكل لا نظير له في القرآن بأجمعه ،وبهذه الصورة يوضّح لنا أنّ الأشخاص الذين وقفوا بوجه الإسلام والقرآن ،وعارضوا الرّسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانوا من أخسّ الناس وأكثرهم كذباً وانحطاطا وخسّة ،فهم يتتبعون عيوب الآخرين ،نمّامون ،معتدون ،آثمون ،ليس لهم أصل ونسب ،وفي الحقيقة أنّنا لا نتوقّع أن يقف بوجه النور الرسالي إلاّ أمثال هؤلاء الأشرار .
/خ16