القول في تأويل قوله تعالى:فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:فقال قوم يا موسى لموسى:(على الله توكلنا) ، أي به وثقنا، وإليه فوَّضنا أمرنا.
* * *
وقوله:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، يقول جل ثناؤه مخبرًا عن قوم موسى أنهم دعوا ربهم فقالوا:يا ربنا لا تختبر هؤلاء القوم الكافرين، ولا تمتحنهم بنا! (26)،يعنون قوم فرعون.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سألوه ربَّهم من إعاذته ابتلاء قوم فرعون بهم.
فقال بعضهم:سألوه أن لا يظهرهم عليهم، فيظنُّوا أنهم خيرٌ منهم ، وأنهم إنما سُلِّطوا عليهم لكرامتهم عليه وهوان الآخرين.
*ذكر من قال ذلك:
17783- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في قوله:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال:لا يظهروا علينا ، فيروا أنهم خير منا.
17784- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز في قوله:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، قال:قالوا:لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خيرٌ منّا.
17785- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال:لا تسلّطهم علينا ، فيزدادوا فتنة.
* * *
وقال آخرون:بل معنى ذلك:لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
*ذكر من قال ذلك:
17786- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
17787- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال:لا تسلطهم علينا فيضلونا.
17788- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله،وقال أيضًا:فيفتنونا.
17789- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون:"لو كانوا على حقّ ما سُلِّطنا عليهم ولا عُذِّبوا "، فيفتتنوا بنا.
17790- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:(لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال:لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون:"لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا "، فيفتتنوا بنا.
17791- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قوله:(لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) ، قال:لا تصبنا بعذاب من عندك ولا بأيديهم ، فيفتتنوا ويقولوا:"لو كانوا على حق ما سُلِّطنا عليهم ولا عذِّبوا ".
17792- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال:قال ابن زيد في قوله:(ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)، لا تبتلنا ربنا فتجهدنا ، وتجعله فتنة لهم ، هذه الفتنة. وقرأ:فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، [سورة الصافات:63] ، قال المشركون ، حين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويرمونهم، أليس ذلك فتنة لهم وسوءًا لهم، وهي بلية للمؤمنين؟.
* * *
قال أبو جعفر:والصواب من القول في ذلك أن يقال:إن القوم رغبوا إلى الله في أن يُجيرهم من أن يكونوا محنة لقوم فرعون وبلاءً، وكلُّ ما كان من أمر كان لهم مصدَّة عن اتباع موسى والإقرار به ، وبما جاءهم به، فإنه لا شك أنه كان لهم "فتنة "، وكان من أعظم الأمور لهم إبعادًا من الإيمان بالله ورسوله. وكذلك من المصدَّة كان لهم عن الإيمان:أن لو كان قوم موسى عاجلتهم من الله محنةٌ في أنفسهم ، من بلية تنـزل بهم، فاستعاذ القوم بالله من كل معنى يكون صادًّا لقوم فرعون عن الإيمان بالله بأسبابهم.
-----------------------
الهوامش:
(26) انظر تفسير "الفتنة "فيما سلف من فهارس اللغة ( فتن ) .