/م83
{ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي فامتثلوا الأمر ، إذ علموا أنه يتوقف عليه إنجاز الوعد ، وصرحوا به في القول ، مع الدعاء بأن يحفظهم الله من فتنة القوم الظالمين بالفعل ، فإن التوكل على الله الذي هو أكبر مقامات الإيمان لا يكمل إلا بالصبر على الشدائد ، والدعاء لا يصح ولا يقبل فيستجاب إلا إذا كان مسبوقا أو مقارنا لاتخاذ الأسباب ، وهو أن تعمل ما تستطع ، وتطلب من الله أن يسخر لك ما لا تستطيع .ولفظ"فتنة "هنا يحتمل معنى الفاتن والمفتون ، فكأنهم قالوا:ربنا لا تسلطهم علينا فيفتنونا ، ولا تفتنا بهم فنتولى عن اتباع نبينا ، أو نضعف فيه فرارا من شدة ظلمهم لنا ، ولا تفتنهم بنا فيزدادوا كفرا وعنادا وظلما بظهورهم علينا ، ويظنوا أنهم على الحق وأننا على الباطل ، ومن المعقول والثابت –وبالتجارب- أن سوء حال المؤمنين وأهل الحق في أي حال من ضعف أو فقر أو عمل مذموم يجعلهم موضعا أن موضوعا لافتتان الكفار وأهل الباطل بهم ، باعتقاد أنهم هم خير منهم ، كما قال تعالى:{ وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [ الأنعام:53] وقال:{ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون} [ الفرقان:20] فكيف إذا خذل أهل الحق حقهم ، وكفروا نعمة ربهم ؟