القول في تأويل قوله تعالى:( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ) يقول:كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النخل والكرم وصنوف الزرع. وقال:كلتا الجنتين، ثم قال:آتت، فوحَّد الخبر، لأن كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كلّ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا، ويذهبون بها وهي مفردة إلى التثنية ، قال بعض الرُّجاز في ذلك:
فِـي كِـلْتَ رِجْلَيْهَـا سُـلامي وَاحـدَه
كِلْتاهُمـــا مَقْرُونَـــةٌ بِزَائِـــدَهْ (12)
يريد بكلت:كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلى معرفة، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد ، وقوله:( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) يقول:ولم تنقص من الأكل شيئا، بل آتت ذلك تاما كاملا ومنه قولهم:ظلم فلان فلانا حقَّه:إذا بخَسَهُ ونقصه، كما قال الشاعر:
تَظَّلَمَنِــي مـالي كَـذَا وَلَـوَى يَـدِي
لَـوَى يَـدَهُ اللـهُ الَّـذِي هُـوَ غالِبُـهْ (13)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله:( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ):أي لم تنقص، منه شيئا.
وقوله:( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا ) يقول تعالى ذكره:
وسيَّلنا خلال هذين البستانين نهرا، يعني بينهما وبين أشجارهما نهرا. وقيل:( وَفَجَّرْنَا) فثقل الجيم منه، لأن التفجير في النهر كله، وذلك أنه يميد ماء فيُسيل بعضه بعضا.