القول في تأويل قوله تعالى:( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق:"وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ"بضم الثاء والميم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم:كان له ذهب وفضة، وقالوا:ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكثرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ:(وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قال:ذهب وفضة، وفي قول الله عزّ وجل:(بِثُمُرِهِ) قال:هي أيضا ذهب وفضة.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله (ثَمَرٌ) قال:ذهب وفضة. قال:وقوله:وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِهي هي أيضا.
وقال آخرون:بل عُنِي به:المال الكثير من صنوف الأموال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن يوسف، قال:ثنا القاسم، قال:ثني حجاج ، عن هارون، عن سعيد بن أبي عِروبة، عن قتادة، قال:قرأها ابن عباس:"وكَانَ لَهُ ثُمُرٌ"بالضمّ، وقال:يعني أنواع المال.
حدثنا عليّ، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس:"وكانَ لَهُ ثُمُرٌ"يقول:مال.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد ، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله:"وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ"يقول:من كلّ المال.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال:أخبرنا عبد الرزاق، قال:أخبرنا معمر، عن قتادة، في قولهوَأُحِيطَ بِثَمَرِهِقال:الثمر من المال كله يعني الثمر، وغيره من المال كله.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال:"الثُّمُر "المال كله، قال:وكلّ مال إذا اجتمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله.
وقال آخرون:بل عُنِي به الأصل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد ، في قوله:"وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ"الثمر الأصل ، قالوَأُحِيطَ بِثَمَرِهِقال:بأصله ، وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا ، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة "ثُمُرٌ"بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف ، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين:( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا ، والقصبة قَصبا.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ "وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ "بضمّ الثاء والميم لإجماع الحجة من القرّاء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب.
ومعنى الكلام:( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ) منهما "ثُمُرٌ "بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه، قوله:( جَعَلْنَا لأحَدِهِمَاجَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) ثم قال:وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر.
------------------------
الهوامش:
(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 186 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) قال:وقد تفرد العرب إحدى "كلي "( كتبها بالياء للإمالة ) . وهو من شواهد النحويين على أن "كلت "أصلها "كلتا "، حذفت ألفها للضرورة ، وفتحة التاء دليل عليها ( خزانة الأدب للبغدادي 1:62 ) وقال:رأيت في حاشية الصحاح أن هذا البيت من رجز يصف به نعامة ، فضمير رجليها عائد على النعامة . والسلامي:على وزن حباري عظم في فرسن البعير ، وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل . والجمع:سلاميات والفرسن:بمنزلة الحافر للفرس . والضمير في كلتاهما للرجلين . ثم قال:استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه ، فإن المعنى على التثنية ، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني ، فتأمل . وقال أبو حبان في تذكرته:هذا البيت من اضطرار الشعراء ، وكلت ليس بواحد كلتا ، بل هو جاء بمعنى كلا ، غير أنه أسقط الألف اعتمادا على الكسرة التي قبلها على أنها تكفي من الألف الممالة إلى الياء ؛ وما من الكوفيين أحد يقول:كلت واحدة كلتا ، ولا يدعي أن لكلا وكلتا واحدا منفردا في النطق مستعملا ، فإن ادعاه عليه مدع فهو تشنيع وتفحيش من الخصوم على قول خصومهم . انتهى .
(13) البيت من أبيات تسعة لفرعون بن الأعراف في ابنه منازل ( الحماسة بشرح التبريزي 4:9 ) وأوله "تغمد حقي ظالما ولوى يدي ". وتغمد حقي ؛ ستره . وهو في معنى:"تظلمني مالي "ولوى يدي:أي فتلها وأزالها عن حالها وهيئتها . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1:402 ) قال:"ولم تظلم منه شيئا ":ولم تنقص . ويقال:ظلمني فلان حقي ، أي نقصني وقال رجل لابنه:"تظلمني مالي كذا . . . إلخ ".
ورواية البيت في اللسان:"تظلم مالي هكذا . . . "البيت . ولم ينسبه . وقال قبله:وظلمه حقه ، وتظلمه إياه . يريد أنهما بمعنى .
:( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) يقول عزّ وجلّ:فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه:
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) يقول:وأعزّ عشيرة ورَهْطا، كما قال عُيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم:نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمان وخبَّابا وصُهيبا، احتقارا لهم، وتكبرا عليهم.
كما حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله:( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وتلك والله أمنية الفاجر:كثرة المال، وعزّة النفر.