وفي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا بغلام فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) وبذلك جاء تأويل أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سهل، قال:ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال:ثني عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه، قال:سمعت وهبا قال:لما أرسل الله جبريل إلى مريم تمثَّل لها بشرا سويا فقالت له:إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّاثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني ، قال:لما قال ذلك، يعني لما قال جبريلقَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ.... الآية استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها.
حدثنا موسى، قال:ثنا عمرو، قال:ثنا أسباط ، عن السديّ، قال:طرحَتْ عليها جلبابها لما قال جبريل ذلك لها، فأخذ جبريل بكميها، فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقا من قُدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها; فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا:يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم:أشعرت أيضا أني حُبلى، قالت امرأة زكريا:إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قولهمُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، قال:قال ابن جريج:يقولون:إنه إنما نفخ في جيب درعها وكمها.
وقوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) يقول:فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحَّت به عن الناس مكانا قصيا يقول:مكانا نائيا قاصيا عن الناس، يقال:هو بمكان قاص، وقصيّ بمعنى واحد، كما قال الراجز:
لَتَقْعُــــدِنَّ مَقْعَـــدَ القَصِـــيِّ
مِنِّـــي ذي القـــاذُوَرةِ المَقْــلِيّ (7)
يقال منه:قصا المكان يقصو قصوا:إذا تباعد، وأقصيت الشيء:إذا أبعدته وأخَّرته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ) قال:مكانا نائيا.
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم ، قال:ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مَكَانًا قَصِيًّا ) قال:قاصيا.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا موسى، قال:ثنا عمرو، قال:ثنا أسباط، عن السدّي، قال:لما بلغ أن تضع مريم، خرجت إلى جانب المحراب الشرقي منه فأتت أقصاه.
-------------------------
الهوامش:
(7) البيتان لرؤبة ابن العجاج الراجز ( انظر فوائد القلائد في مختصر الشواهد للعيني ص 115 - 116 ) وبعدهما بيتان آخران وهما:
أو تحـــلفي بـــربك العـــلي
أنــى أبــو ذيــا لــك الصبـي
ومقعد القصي:إما مفعول مطلق . على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنه مفعول فيه ، أي في مقعد القصي ، أي البعيد ، من قصا المكان يقصو:إذا بعد . ويقال رجل قاذورة:أي لا يخالط الناس ، لسوء خلقه . والمقلي المبغض من قلاه يقليه قلى بالكسر . وهما صفتان للقصي . وفي ( لسان العرب:قصا ) قصا عنه قصوا ، وقصوا وقصا وقصاء ، وقصي ( بكسر الصاد ):بعد وقصا المكان يقصو قصوا ( على فعول ):بعد . والقصي والقاصي:البعيد ، والجمع:أقصاء فيهما ، كشاهد وأشهاد ، ونصير وأنصار .