لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
القول في تأويل قوله تعالى:{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} يعني جل ثناؤه بقوله:{ لله ما في السموات وما في الأرض} لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير , وإليه تدبير جميعه , وبيده صرفه وتقليبه , لا يخفى عليه منه شيء , لأنه مدبره ومالكه ومصرفه . وإنما عنى بذلك جل ثناؤه:كتمان الشهود الشهادة , يقول:لا تكتموا الشهادة أيها الشهود , ومن يكتمها يفجر قلبه , ولن يخفى علي كتمانه , وذلك لأني بكل شيء عليم , وبيدي صرف كل شيء في السموات والأرض وملكه , أعلمه خفي ذلك وجليه , فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة . وعيدا من الله بذلك من كتمها وتخويفا منه له به . ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم , وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها , أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه من المحاسبة عليها , فقال:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} يقول:وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والإنكار , أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم وغير ذلك من سيئ أعمالكم ,{ يحاسبكم به الله} يعني بذلك:يحتسب به عليكم من أعماله , فيجازي من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله , وغافر لمن شاء منكم من المسيئين . ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فقال بعضهم بما قلنا من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة , وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها . ذكر من قال ذلك:5062 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال:ثنا أبو نفيل , عن يزيد ابن أبي زياد , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} يقول:يعني في الشهادة . * - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو أحمد , قال:ثنا سفيان , عن يزيد بن أبي زياد , عن مقسم , عن ابن عباس في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال:في الشهادة . 5063 - حدثنا محمد بن المثنى , قال:ثنا عبد الأعلى , قال:سئل داود عن قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فحدثنا عن عكرمة , قال:هي الشهادة إذا كتمتها . * - حدثنا ابن المثنى , قال:ثنا محمد بن جعفر , قال:ثنا شعبة , عن عمرو وأبي سعيد أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال:في الشهادة . 5064 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو أحمد , قال:ثنا سفيان , عن السدي , عن الشعبي في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال:في الشهادة . * - حدثنا يعقوب , قال:ثنا هشيم , قال:أخبرنا يزيد بن أبي زياد , عن مقسم , عن ابن عباس , أنه قال في هذه الآية:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها . * - حدثني يحيى بن أبي طالب قال:أخبرنا يزيد , قال:أخبرنا جويبر , عن عكرمة في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} يعني كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها . وقال آخرون:بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه . ثم اختلف متأولو ذلك كذلك , فقال بعضهم:ثم نسخ الله ذلك بقوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 ذكر من قال ذلك:5065 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا إسحاق بن سليمان , عن مصعب بن ثابت , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة , قال:لما نزلت:{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} اشتد ذلك على القوم , فقالوا:يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ؟ هلكنا ! فأنزل الله عز وجل:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 186 الآية , إلى قوله:{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} 2 286 قال أبي:قال أبو هريرة:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال الله:نعم ".{ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} 2 286 إلى آخر الآية , قال أبي:قال أبو هريرة:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال الله عز وجل نعم ". 5066 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا وكيع , وحدثنا سفيان بن وكيع , قال:ثنا سفيان , عن آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد , قال:سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال:لما نزلت هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سمعنا وأطعنا وسلمنا ". قال:فألقى الله عز وجل الإيمان في قلوبهم , قال:فأنزل الله عز وجل:{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} 2 285 قال أبو كريب:فقرأ:{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} 2 286 قال:فقال:"قد فعلت ".{ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} 2 286 قال:"قد فعلت ".{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} 2 286 قال:"قد فعلت ".{ واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} 2 286 قال:"قد فعلت ". 5067 - حدثني أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام , قال:ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد , عن حيوة بن شريح , قال:سمعت يزيد بن أبي حبيب , يقول:قال ابن شهاب:حدثني سعيد بن مرجانة , قال:جئت عبد الله بن عمر , فتلا هذه الآية:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} ثم قال ابن عمر:لئن آخذنا بهذه الآية لنهلكن . ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه . قال:ثم جئت عبد الله بن العباس , فقلت:يا أبا عباس , إني جئت ابن عمر فتلا هذه الآية:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} . .. الآية , ثم قال:لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكن ! ثم بكى حتى سالت دموعه . فقال ابن عباس:يغفر الله لعبد الله بن عمر لقد فرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها كما فرق ابن عمر منها , فأنزل الله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 فنسخ الله الوسوسة , وأثبت القول والفعل . * - حدثني يونس , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , عن سعيد بن مرجانة يحدث:أنه بينا هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية:{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} . .. الآية , فقال:والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ! ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه . فقال ابن مرجانة:فقمت حتى أتيت ابن عباس , فذكرت له ما تلا ابن عمر , وما فعل حين تلاها , فقال عبد الله بن عباس:يغفر الله لأبي عبد الرحمن , لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر , فأنزل الله بعدها:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 إلى آخر السورة . قال ابن عباس:فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها , وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل:أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل . 5068 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:أخبرنا معمر , قال:سمعت الزهري يقول في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال:قرأها ابن عمر , فبكى وقال:إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! فبكى حتى سمع نشيجه , فقام رجل من عنده , فأتى ابن عباس , فذكر ذلك له , فقال:رحم الله ابن عمر لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد , حتى نزلت:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 5069 - حدثني المثنى , قال:ثنا إسحاق , قال:ثنا عبد الرزاق , عن جعفر بن سليمان , عن حميد الأعرج , عن مجاهد قال:كنت عند ابن عمر فقال:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} . .. الآية . فبكى ! فدخلت على ابن عباس , فذكرت له ذلك , فضحك ابن عباس فقال:يرحم الله ابن عمر , أو ما يدري فيم أنزلت ؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا , وقالوا:يا رسول الله هلكنا ! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قولوا سمعنا وأطعنا ",فنسختها:{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} 2 285 إلى قوله:{ وعليها ما اكتسبت} 2 286 فتجوز لهم من حديث النفس , وأخذوا بالأعمال . 5070 - حدثني المثنى , قال:ثنا إسحاق , قال:ثنا يزيد بن هارون , عن سفيان بن حسين , عن الزهري , عن سالم أن أباه قرأ:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فدمعت عينه . فبلغ صنيعه ابن عباس , فقال:يرحم الله أبا عبد الرحمن ! لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 5071 - حدثنا محمد بن بشار , قال أبو أحمد , قال:ثنا سفيان , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , قال:نسخت هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 5072 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا أبو أحمد , قال:ثنا سفيان , عن آدم بن سليمان , عن سعيد بن جبير , قال:لما نزلت هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قالوا:أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا ولم تعمل به جوارحنا ؟ قال:فنزلت هذه الآية:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} 2 286 قال:ويقول:قد فعلت . قال:فأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة , لم تعطها الأمم قبلها . 5073 - حدثنا أبو كريب , قال:ثنا جرير بن نوح , قال:ثنا إسماعيل , عن عامر:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} قال:فنسختها الآية بعدها قوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 5074 - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:نسختها الآية التي بعدها:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 وقوله:{ وإن تبدوا} قال:يحاسب بما أبدى من سر أو أخفى من سر , فنسختها التي بعدها . * - حدثني يعقوب , قال:ثنا هشيم , قال:أخبرنا سيار , عن الشعبي , قال:لما نزلت هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} قال:فكان فيها شدة حتى نزلت هذه الآية التي بعدها:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 قال:فنسخت ما كان قبلها . * - حدثني يعقوب , قال:ثنا ابن علية , عن ابن عون , قال:ذكروا عند الشعبي:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} حتى بلغ:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} قال:فقال الشعبي:إلى هذا صار , رجعت إلى آخر الآية . 5075 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال:أخبرنا يزيد , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال:قال ابن مسعود:كانت المحاسبة قبل أن تنزل:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها . * - حدثت عن الحسين , قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد , قال:سمعت الضحاك , يذكر عن ابن مسعود , نحوه . * - حدثنا ابن حميد , قال:ثنا جرير , عن بيان , عن الشعبي , قال:نسخت{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 5076 - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا أبي , عن موسى بن عبيدة , عن محمد بن كعب وسفيان , عن جابر , عن مجاهد , وعن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد , قالوا:نسخت هذه الآية:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286{ إذ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} . .. الآية . 5077 - حدثنا ابن وكيع , قال:ثنا أبي , عن إسرائيل , عن جابر , عن عكرمة وعامر , بمثله . 5078 - حدثنا المثنى , قال:ثنا الحجاج , قال:ثنا حماد بن حميد , عن الحسن في قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} إلى آخر الآية , قال:محتها:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 5079 - حدثنا بشر , قال:ثنا يزيد , قال:ثنا سعيد , عن قتادة , أنه قال:نسخت هذه الآية , يعني قوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} . .. 2 286 الآية التي كانت قبلها:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال:أخبرنا عبد الرزاق , قال:أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:نسختها قوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 5080 - حدثني يونس , قال:أخبرنا ابن وهب , قال:ثني ابن زيد , قال:لما نزلت هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} . .. إلى آخر الآية , اشتدت على المسلمين , وشقت مشقة شديدة , فقالوا:يا رسول الله لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به واخذنا الله به ؟ قال:"فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا وعصينا ",قالوا:بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله . قال:فنزل القرآن يفرجها عنهم:{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} 2 285 إلى قوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 قال:فصيره إلى الأعمال , وترك ما يقع في القلوب . * - حدثني المثنى , قال:ثنا الحجاج , قال:ثنا هشيم , عن سيار , عن أبي الحكم , عن الشعبي , عن أبي عبيدة , عن عبد الله بن مسعود في قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:نسخت هذه الآية التي بعدها:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 5081 - حدثني موسى , قال:ثنا عمرو , قال:ثنا أسباط , عن السدي قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا , فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقالوا:إن عمل أحدنا وإن لم يعمل أخذنا به ؟ والله ما نملك الوسوسة ! فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها بقوله:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} 2 286 فكان حديث النفس مما لم تطيقوا . 5082 - حدثت عن عمار , قال:ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن قتادة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:نسختها قوله:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 وقال آخرون ممن قال معنى ذلك:"الإعلام من الله عز وجل عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم , وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعلموه ". هذه الآية محكمة غير منسوخة , والله عز وجل محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصروه في أنفسهم ونووه وأرادوه , فيغفره للمؤمنين , ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق . ذكر من قال ذلك:5083 - حدثني المثنى , قال:ثنا عبد الله بن صالح , قال:ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فإنها لم تنسخ , ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة , يقول الله عز وجل:إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي , فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم , وهو قوله:{ يحاسبكم به الله} يقول:يخبركم . وأما أهل الشك والريب , فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب , وهو قوله:{ فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} وهو قوله:{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} 2 225 من الشك والنفاق . 5084 - حدثني محمد بن سعد , قال:ثني أبي , قال:ثني عمي , قال:ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فذلك سر عملكم وعلانيته , يحاسبكم به الله , فليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به , فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات , وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن , والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم , وإن كان سوءا حدث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر , وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به , فإن هو عمل به تجاوز الله عنه , كما قال:{ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم} 46 16 5085 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال:أخبرنا يزيد , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم الله} . .. الآية . قال:قال ابن عباس:إن الله يقول يوم القيامة:إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها , فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم , فأغفر لمن شئت , وأعذب من شئت . 5086 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال:أخبرنا علي بن عاصم , قال:أخبرنا بيان , عن بشر , عن قيس بن أبي حازم , قال:إذا كان يوم القيامة , قال الله عز وجل يسمع الخلائق:إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم , فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه , ولا يعلمونه , أنا الله أعلم بذلك كله منكم , فأغفر لمن شئت , وأعذب من شئت . 5087 - حدثت عن الحسين , قال:سمعت أبا معاذ , قال:أخبرنا عبيد , قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} كان ابن عباس يقول:إذا دعي الناس للحساب , أخبرهم الله بما كانوا يسرون في أنفسهم مما لم يعملوه , فيقول:إنه كان لا يعزب عني شيء , وإني مخبركم بما كنتم تسرون من السوء , ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه . فهذه المحاسبة . * - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثنا أبو تميلة , عن عبيد بن سليمان , عن الضحاك , عن ابن عباس , نحوه . 5088 - حدثني المثنى , قال:ثنا إسحاق , قال:ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:هي محكمة لم ينسخها شيء , يقول:يحاسبكم به الله , يقول:يعرفه الله يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا لا يؤاخذه . 5089 - حدثني المثنى , قال:ثنا إسحاق , قال:ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن عمرو بن عبيد , عن الحسن , قال:هي محكمة لم تنسخ . 5090 - حدثني يعقوب , قال:ثنا ابن علية , قال:ثنا ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:من الشك واليقين . * - حدثني محمد بن عمرو , قال:ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} يقول:في اليقين والشك . * - حدثني المثنى , قال:ثنا أبو حذيفة , قال:ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . فتأويل هذه الآية على قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم} من شيء من الأعمال , فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم , أو تخفوه فتسروه في أنفسكم , فلم يطلع عليه أحد من خلقي , أحاسبكم به , فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان , وأعذب أهل الشرك والنفاق في ديني . وأما على الرواية التي رواها عنه الضحاك من رواية عبيد بن سليمان عنه , وعلى ما قاله الربيع بن أنس , فإن تأويلها:إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي , أو تضمروا إرادته في أنفسكم , فتخفوه , يعلمكم به الله يوم القيامة , فيغفر لمن يشاء , ويعذب من يشاء . وأما قول مجاهد فشبيه معناه بمعنى قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة . وقال آخرون ممن قال:"هذه الآية محكمة وهي غير منسوخة "ووافقوا الذين قالوا:"معنى ذلك أن الله عز وجل أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم "معناها:أن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيئ أعمالهم , وجميع ما أسروه , ومعاقبهم عليه , غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب , والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها . ذكر من قال ذلك:5091 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال:ثنا يزيد , قال:أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} . .. الآية , قال:كانت عائشة رضي الله عنها تقول:من هم بسيئة فلم يعملها أرسل الله عليه من الهم والحزن مثل الذي هم به من السيئة فلم يعملها , فكانت كفارته . * - حدثت عن الحسين , قال:سمعت أبا معاذ , قال:أخبرنا عبيد , قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قال:كانت عائشة تقول:كل عبد يهم بمعصية , أو يحدث بها نفسه , حاسبه الله بها في الدنيا , يخاف ويحزن ويهتم . * - حدثنا القاسم , قال:ثنا الحسين , قال:ثني أبو تميلة , عن عبيد , عن الضحاك , قال:قالت عائشة في ذلك:كل عبد هم بسوء ومعصية , وحدث نفسه به , حاسبه الله في الدنيا , يخاف ويحزن ويشتد همه , لا يناله من ذلك شيء , كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا . 5092 - حدثنا الربيع , قال:ثنا أسد بن موسى , قال:ثنا حماد بن سلمة , عن علي بن زيد , عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية:{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}{ ومن يعمل سوءا يجز به} 4 123 فقالت:ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال:"يا عائشة , هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة , حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها , فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير ". وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال:إنها محكمة وليست بمنسوخة , وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه , وليس في قوله جل وعز:{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 نفى الحكم الذي أعلم عباده بقوله:{ أو تخفوه يحاسبكم به الله} لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة , ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه , وقد أخبر الله عز وجل عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة , يقولون:{ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} 18 49 فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها , فلم تكن الكتب وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها بموجب إحصائها على أهل الإيمان بالله ورسوله وأهل الطاعة له , أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين , لأن الله عز وجل وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر , فقال في تنزيله:{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} 4 31 فدل أن محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم غير موجبة لهم منه عقوبة , بل محاسبته إياهم إن شاء الله عليها ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها كما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي:5093 - حدثني به أحمد بن المقدام , قال:ثنا المعتمر بن سليمان , قال:سمعت أبي , عن قتادة , عن صفوان بن محرز , عن ابن عمر , عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"يدني الله عبده المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بسيئاته يقول:هل تعرف ؟ فيقول نعم , فيقول:سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم . ثم يظهر له حسناته , فيقول:هاؤم اقرءوا كتابيه "أو كما قال:"وأما الكافر , فإنه ينادى به على رءوس الأشهاد ". 5094 - حدثنا ابن بشار , قال:ثنا ابن أبي عدي وسعيد وهشام , وحدثني يعقوب , قال:ثنا ابن علية , قال:أخبرنا هشام , قالا جميعا في حديثهما , عن قتادة , عن صفوان بن محرز , قال:بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف , إذ عرض له رجل , فقال:يا ابن عمر أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه , فيقول:هل تعرف كذا ؟ فيقول:رب اغفر مرتين , حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال:فإني قد سترتها عليك في الدنيا , وأنا أغفرها لك اليوم ",قال:"فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه . وأما الكفار والمنافقون , فينادى بهم على رءوس الأشهاد:هؤلاء الذين كذبوا على ربهم , ألا لعنة الله على الظالمين ". إن الله يفعل بعبده المؤمن من تعريفه إياه سيئات أعماله حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها , فكذلك فعله تعالى ذكره في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه , وبما أخفاه من ذلك , ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه , فيستره عليه , وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين , فقال:يغفر لمن يشاء . فإن قال قائل:فإن قوله:{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 ينبئ عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب , ولا مثابين إلا بما كسبته من خير . قيل:إن ذلك كذلك , وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله , أو ترك ما أمر بفعله . فإن قال:فإذا كان ذلك كذلك , فما معنى وعيد الله عز وجل إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله:{ ويعذب من يشاء} إن كان{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} 2 286 وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا , من هم بذنب , أو إرادة لمعصية , لم تكتسبه جوارحنا ؟ قيل له:إن الله جل ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفوا لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله , وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها , وإنما الوعيد من الله عز وجل بقوله:{ ويعذب من يشاء} على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله , والمرية في وحدانيته , أو في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم , وما جاء به من عند الله , أو في المعاد والبعث من المنافقين , على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد , ومن قال بمثل قولهما أن تأويل قوله:{ أو تخفوه يحاسبكم به الله} على الشك واليقين . غير أنا نقول إن المتوعد بقوله:{ ويعذب من يشاء} هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله , وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا , والموعود الغفران بقوله:{ فيغفر لمن يشاء} هو الذي أخفى , وما يخفيه الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداء تحليله وإباحته , فحرمه على خلقه جل ثناؤه , أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله مما كان جائزا ابتداء إباحة تركه , فأوجب فعله على خلقه . فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين إذا هو لم يصحح همه بما يهم به , ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك بالتقدم عليه لم يكن مأخوذا , كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة , ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه ",فهذا الذي وصفنا , هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده ثم لا يعاقبهم عليه . فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوة أنبيائه , فذلك هو الهالك المخلد في النار , الذي أوعده جل ثناؤه العذاب الأليم بقوله:{ ويعذب من يشاء} فتأويل الآية إذا:{ وإن تبدوا ما في أنفسكم} أيها الناس , فتظهروه{ أو تخفوه} فتنطوي عليه نفوسكم ,{ يحاسبكم به الله} فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه , ومغفرته له , فيغفره له , ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه .والله على كل شيء قدير
القول في تأويل قوله تعالى:{ والله على كل شيء قدير} يعني بذلك جل ثناؤه:والله عز وجل على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهمة بالخطيئة , وعلى عقاب هذا الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل , ونبوة أنبيائه , ومجازاة كل واحد منهما على كل ما كان منه , وعلى غير ذلك من الأمور قادر .