القول في تأويل قوله تعالى:وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
يقول:وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أن منهم من قال:أمره بالتواضع في مشيه، ومنهم من قال:أمره بترك السرعة فيه.
ذكر من قال:أمره بالتواضع في مشيه:
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا يحيى بن واضح، قال:ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مجاهد (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال:التواضع.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال:نهاه عن الخيلاء.
ذكر من قال نهاه عن السرعة.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا ابن المبارك، عن عبد الله بن عقبة، عن يزيد بن أبي حبيب، في قوله:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) قال:من السرعة. قوله:(وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) يقول:واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت.
كما حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) قال:أمره بالاقتصاد في صوته.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد في قوله:(وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) قال:اخفض من صوتك.
واختلف أهل التأويل قوله:( إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) فقال بعضهم:معناه:إن أقبح الأصوات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة وأبان بن تغلب، قالا ثنا أبو معاوية عن جُوَيبر، عن الضحاك (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) قال:إن أقبح الأصوات (لَصَوْتُ الحَمِيرِ).
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قَتادة (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ) أي:أقبح الأصوات لصوت الحمير، أوّله زفير، وآخره شهيق، أمره بالاقتصاد في صوته.
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا مؤمل، قال:ثنا سفيان، قال:سمعت الأعمش يقول:(إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) (4) صوت الحمير.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:إن أشرّ الأصوات.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر عن عكرِمة والحكم بن عُتيبة (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) قال:أشرّ الأصوات.
قال جابر:وقال الحسن بن مسلم:أشدّ الأصوات.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد في قوله:( إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) قال:لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للحمير.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:معناه:إن أقبح أو أشرّ الأصوات، وذلك نظير قولهم:إذا رأوا وجها قبيحا، أو منظرا شنيعا، ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره.
وأما قوله:(لَصَوْتُ الحَمِيرِ) فأضيف الصوت، وهو واحد، إلى الحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين:إن شئت، قلت:الصوت بمعنى الجمع، كما قيل:لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْوإن شئت قلت:معنى الحمير:معنى الواحد، لأن الواحد في مثل هذا الموضع يؤدّي عما يؤدي عنه الجمع.
------------------------
الهوامش:
(4) لعل فيه سقطًا، والأصل:أي أقبح الأصوات صوت ... إلخ .