{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} ،والقصد هو الاعتدال في الشيء ،والمقصود أن على الإنسان أن يعتدل في طريقته في المشي ،من دون أيّة حركةٍ استعراضيةٍ زائدةٍ عن الحالة الطبيعية التي يؤدي بها المشي مهمته في الوصول إلى الهدف ،لأن ذلك يكشف عن عقدة نقصٍ وعن حالة ضعف ،مما يستعمله الناس للإِيحاء بنقيض ذلك ،ليكون المظهر غطاءً للواقع المنهار ،كمن يدقّ الأرض بقدمه بشدّةٍ للإِيحاء بقوّةٍ غير موجودة .
الغضّ من الصوت
{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} لأن رفع الصوت بطريقةٍ غير معتادة لا يدّل على أيّة حالة توازن ،لأن الصوت يمثل الوسيلة الطبيعية لتسهيل عملية التخاطب والتفاهم ،فيكفي فيه ما يحقق ذلك .أمّا ما زاد على ذلك ،فإنه يتحوّل إلى سفهٍ وإزعاجٍ للآخرين الذين قد يحتاجون إلى الهدوء والراحة والتخفف من صخب الواقع ،فيمنعهم الصوت العالي من ذلك كله ،هذا بالإضافة إلى أن الصوت كلما ارتفع أكثر ،كلما كان أبعد عن الذوق الفني الجماليّ ،لأنه يلتقي بأصوات الحمير المنكرة{إِنَّ أَنكَرَ الاَْصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} الذي يملأ الجو بالإزعاج ويدفع الإنسان إلى التوتر العصبيّ في أكثر من موقعٍ .
الاستنتاج من وصية لقمان لابنه
وقد نلاحظ أن وصية لقمان لابنه تصبّ في عدة مواقع:
الأول: موقع العقيدةلا تشرك بالله .
الثاني: موقع العبادةأقم الصلاة .
الثالث: موقع المسؤولية والثبات واؤمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك .
الرابع: موقع التهذيب الاجتماعي في السلوك: ولا تصعّر خدك للناس ،ولا تمش في الأرض مرحاً ،واقصد في مشيك ،واغضض من صوتك .
وفي ضوء ذلك ،نستطيع أن نفهم كيف تتحرك الموعظة لتشمل كل القضايا المتحركة في هذه الخطوط ،ولتكون نهجاً منفتحاً على كل جوانب العقيدة والعبادة والمسؤولية في الدعوة والثبات ،والتحرك في المجتمع على أساس المحافظة على كل أجواء اللياقة الاجتماعية ،واحترام شعور الآخرين ،والاتزان في حركة الإنسان في نفسه ومع الناس ،ليكون الإنسان المؤمن إنسان الحياة المنفتح على وحدانية الله في العقيدة والعبادة والمسؤولية والسلوك .