ثمّ بيّن في الآية التالية أمرين وسلوكين أخلاقيين إيجابيّين في مقابل النهيين عن سلوكين سلبيين في الآية السابقة فيقول: ابتغ الاعتدال في مشيك: ( واقصد في مشيك ) وابتغ الاعتدال كذلك في كلامك ولا ترفع صوتك عالياً ( واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير ){[3262]} .
إنّ هاتين الآيتين في الحقيقة أمرتا بصفتين ،ونهتا عن صفتين:
فالنهي عن «التكبّر » و «العجب » ،فإنّ أحدهما يؤدّي إلى أن يتكبّر الإنسان على عباد الله ،والآخر يؤدّي إلى أن يظنّ الإنسان أنّه في مرتبة الكمال وأسمى من الآخرين ،وبالتالي سيغلق أبواب التكامل بوجهه ،وإن كان لا يقارن بينه وبين الآخرين .
وبالرغم من أنّ هاتين الصفتين مقترنتان غالباً ،ولهما أصل مشترك ،إلاّ أنّهما قد تفترقان أحياناً .
أمّا الأمر بصفتين ،فهما رعاية الاعتدال في العمل والكلام ،لأنّ التأكيد على الاعتدال في المشي أو إطلاق الصوت هو من باب المثال في الحقيقة .
والحقّ أنّ الإنسان الذي يتّبع هذه النصائح الأربع موفّق وسعيد وناجح في الحياة ،ومحبوب بين الناس ،وعزيز عند الله .
وممّا يستحقّ الانتباه أنّ من الممكن أن نسمع أصواتاً أزعج من أصوات الحمير في محيط حياتنا ،كصوت سحب بعض القطع الفلزّية إلى بعضها الآخر ،حيث يحسّ الإنسان عند سماعه بأنّ لحمه يتساقط ،إلاّ أنّ هذه الأصوات لا تمتلك صفة عامّة ،إضافةً إلى وجود فرق بين المزعج والقبيح من الأصوات ،والحقّ هو أنّ صوت الحمار أقبح من كلّ الأصوات العاديّة التي يسمعها الإنسان ،وبه شُبّهت صرخات ونعرات المغرورين البله .
وليس القبح من جهة ارتفاع الصوت وطريقته فحسب ،بل من جهة كونه بلا سبب أحياناً ،لأنّ بعض المفسّرين يقولون: إنّ أصوات الحيوانات تعبّر غالباً عن حاجة ،إلاّ أنّ هذا الحيوان يطلق صوته أحياناً بدون مبرّر أو داع ،وبدون أيّ حاجة أو مقدّمة !وربّما كان ما ورد في بعض الرّوايات من أنّ الحمار كلّما أطلق صوته فقد رأى شيطاناً ،لهذا السبب .
وقال البعض: إنّ صراخ كلّ حيوان تسبيح إلاّ صوت الحمار !
وعلى كلّ حال ،فإنّنا إذا تجاوزنا كلّ ذلك ،فإنّ كون هذا الصوت قبيحاً من بين الأصوات لا يحتاج إلى بحث ،وإذا رأينا في الرّوايات المرويّة عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ،والتي فسّرت هذه الآية بالعطسة بصوت عال ،أو الصراخ عند التكلّم والتحدّث ،فإنّه في الحقيقة مصداق واضح لذلك{[3263]} .
/خ19