وقوله:(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِها) يقول:ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) من أقطارها، يعني:من جوانبها ونواحيها، واحدها:قطر، وفيها لغة أخرى:قُتر، وأقتار، ومنه قول الراجز:
إنْ شِـــئْتَ أنْ تــدهن أو تمــرا
فَــــوَلِّهِنَّ قُـــتْرَكَ الأشَـــرَّا (15)
وقوله:(ثُمَّ سُئِلوا الفِتْنَةَ) يقول:ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك (لآتَوْها) يقول:لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا. وقوله:(وَما تَلَبَّثُوا بها إلا يَسِيرًا) يقول:وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلا يسيرا قليلا ولأسرعوا إلى ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) أي:لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ):أي:الشرك (لآتَوْها) يقول:لأعطوها.(وَما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا) يقول:إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد في قوله:( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) يقول:لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها(ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتوْهَا) سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال:وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم، ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال:والفتنة:الكفر، وهي التي يقول الله:(الفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ) أي:الكفر. يقول:يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(لآتَوْها) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء مكة:(لأتَوْها) بقصر الألف، بمعنى جاءوها. وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة:(لآتَوْها) بمدّ الألف، بمعنى:لأعطوها، لقوله:(ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ). وقالوا:إذا كان سؤال كان إعطاء. والمدّ أعجب القراءتين إليّ لما ذكرت، وإن كانت الأخرى جائزة.
--------------------
الهوامش:
(14) البيت لعباس بن مرداس، وقد سبق الاستشهاد به في (20:66) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 193 - ب):عند تفسير قوله تعالى:(لا مقام لكم):مفتوحة الأولى. ومجازها:لا مكان لكم تقومون فيه. ومنه قوله:"فإني ما وأيك كان شرا ... "البيت.
(15) البيتان من مشطور الرجز. ولم أقف على قائلهما. والشاهد فيهما في قوله:"قترك"بضم فسكون بمعنى القطر، وهو الجانب والناحية. قال أبو عبيدة:"من أقطارها"أي من جوانبها ونواحيها. وواحدها قطر، وفي "اللسان:قتر"القتر:بضم فسكون، والفتر:بضمتين:الناحية والجانب لغة:في القطر، وهي:الأقتار. ا هـ. وفي (اللسان:قطر)، وفي التنزيل العزيز:(من أقطار السماوات والأرض):أقطارها:نواحيها:واحدها قطر، وكذلك أقتراها، واحدها قتر. ا هـ.