القول في تأويل قوله تعالى:يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا (20)
يقول تعالى ذكره:يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب، وهم قريش وغطفان.
كما حدثنا ابن حميد، قال:ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:ثني يزيد بن رومان (يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا):قريش وغطفان.
وقوله:(لَمْ يَذْهَبُوا) يقول:لم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهَلعا منهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:(يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا) قال:يحسبونهم قريبا.
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا فإذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أنَّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ).
وقوله:( وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ ) يقول تعالى ذكره:وإن يأت المؤمنين الأحزاب وهم الجماعة:واحدهم حزب (يَوَدُّوا) يقول:يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الأعراب خوفا من القتل. وذلك أن قوله:(لَوْ أنَّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ) تقول:قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو، وهو باد؛ وأما الأعراب:فإنهم جمع أعرابيّ، وواحد العرب عربيّ، وإنما قيل:أعرابيّ لأهل البدو، فرقا بين أهل البوادي والأمصار، فجعل الأعراب لأهل البادية، والعرب لأهل المصر.
وقوله:(يَسألُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ) يقول:يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم، يعني:عن أخباركم بالبادية، هل هلك محمد وأصحابه؟ نقول:يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم، ألا يشهدوا معكم مشاهدكم (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إلا قَلِيلا) يقول تعالى ذكره للمؤمنين:ولو كانوا أيضا فيكم ما نفعوكم، وما قاتلوا المشركين إلا قليلا يقول:إلا تعذيرا، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:(يَسألونَ عَنْ أنْبائِكُمْ) قال:أخباركم، وقرأت قرّاء الأمصار جميعا سوى عاصم الجحدري (يَسألونَ عَنْ أنْبائِكُمْ) بمعنى:يسألون من قدم عليهم من الناس عن أنباء عسكركم وأخباركم، وذكر عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ ذلك (يَسّاءَلونَ) بتشديد السين، بمعنى:يتساءلون:أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك.
والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.