القول في تأويل قوله تعالى:إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
يقول تعالى ذكره:(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) لئلا تزولا من أماكنهما(وَلَئِنْ زَالَتَا) يقول:ولو زالتا(إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) يقول:ما أمسكهما أحد سواه. ووضعت "لئن "في قوله (وَلَئِنْ زَالَتَا) في موضع "لو "لأنهما يجابان بجواب واحد، فيتشابهان في المعنى، ونظير ذلك قولهوَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَبمعنى:ولو أرسلنا ريحًا، وكما قالوَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَبمعنى:لو أتيت. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) من مكانهما.
حدثنا ابن بشار قال:ثنا عبد الرحمن قال:ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي وائل قال:جاء رجل إلى عبد الله فقال:من أين جئت ؟ قال:من الشأم. قال:من لَقيتَ؟ قال:لقيتُ كعبًا. فقال:ما حدثك كعب ؟ قال:حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال:فصدقته أو كذبته ؟ قال:ما صدقته ولا كذبته. قال:لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، وكذب كعب، إن الله يقول ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ).
حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال:ذهب جُندَب البَجَلي إلى كعب الأحبار فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله:حدثنا ما حدثك. فقال:حدثني أن السماء في قطب كقطب الرحا، والقطب عمود على منكب ملك. قال عبد الله:لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك، ثم قال:ما تنتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه، ثم قال ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) كفى بها زوالا أن تدور.
وقوله (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) يقول تعالى ذكره:إن الله كان حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه فى تركه تعجيل عذابه له، غفورًا لذنوب من تاب منهم، وأناب إلى الإيمان به، والعمل بما يرضيه.