كيف يفكر هؤلاء الذين يجعلون لله شريكاً ،وهل يدركون مدى قدرة الله ،وهل يعرفون كيف يدبّر الله الكون كله بإرادته من دون معين ؟هل يتطلعون إلى السماء من فوقهم ،وإلى الأرض من تحتهم ،فيتأملوا كيف تثبتت السماوات في الفضاء ،وكيف استقرت الأرض في الخلاء ،ومن الذي أمسكهما عن الاهتزاز والسقوط ،ومن الذي يعيدهما إلى الثبات لو زالتا ؟هل فكر هؤلاء بالمسألة العقيدية من ناحية التوحيد والشرك بوعي وعقلٍ ؟
إن الآية التالية تقرر الحقيقة التوحيدية التي تثبت قدرة الله على الإمساك بالسماوات والأرض وحده ،وتتضمن طرح السؤال الذي لا يجد جواباً عند هؤلاء إلا بتقرير الحقيقة من جديد .
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ} عن موقعهما الذي يتحركان أو يستقران فيه ،وقد استمرت الحياة منذ كانت السماوات والأرض ،ولا تملك البشرية الملامح الحقيقية لهذا التاريخ إلا بالحدس والتخمين القائم على الخيال العلمي الذي يحاول أن يستنتج النتائج من ظواهر غير يقينية المدلول ...ولم يحدث أن زالت السماء عن مواقعها ،أو انحرفت الأرض عن مدارها ،فهل هناك من هؤلاء الذين لم يكن لهم وجودٌ ممتد في عمق الزمن ،بل كانوا حدثاً طارئاً لا يملك أيّ عمقٍ وامتدادٍ ،من يزعم لنفسه ،أو يزعم له غيره أنه كان شريكاً في إمساكها ؟{وَلَئِن زَالَتَآ} على سبيل الفرضية العلمية عندما يتخيّل العلماء إمكانات الحركة في الكون{إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} ممن يملك قدرة ذلك ...إن الآية لا تتساءل وإن كانت تختزن السؤال ،ولكنها تنفي على نحو الجزم ،لأن النفي هو الحقيقة اليقينية ،{إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فلا يقابل عباده بالعقاب السريع ،بل يتركهم ليفكروا ويتراجعوا ليتوبوا ويستغفروا ربّهم ،ليغفر لهم كل ما أخطأوا فيه .