( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ ) يقول:ومن خذله الله عن الرشاد, فليس له من ولي يليه, فيهديه لسبيل الصواب, ويسدده من بعد إضلال الله إياه ( وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم:( هَلْ ) لنا يا رب ( إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) وذلك كقولهوَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا... الآية, استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال:ثنا أحمد, قال:ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله:( هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) يقول:إلى الدنيا.
واختلف أهل العربية في وجه دخول "إنَّ"في قوله:( إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) مع دخول اللام في قوله:(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ) فكان نحوي أهل البصرة يقول في ذلك:أما اللام التي في قوله:(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ) فلام الابتداء, وأما إن ذلك فمعناه والله أعلم:إن ذلك منه من عزم الأمور, وقال:قد تقول:مررت بالدار الذراع بدرهم:أي الذراع منها بدرهم, ومررت ببرّ قفيز بدرهم, أي قفيز منه بدرهم. قال:وأما ابتداء "إنَّ"في هذا الموضع, فمثلقُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْيجوز ابتداء الكلام, وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع.
وكان بعضهم يستخطئ هذا القول ويقول:إن العرب إذا أدخلت اللام في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الأيمان بما, ولا وإنَّ واللام:قال:وهذا من ذاك, كما قال:لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَفجاء بلا وباللام جوابا للام الأولى. قال:ولو قال:لئن قمت إني لقائم لجاز ولا حاجة به إلى العائد, لأن الجواب في اليمين قد يكون فيه العائد, وقد لا يكون; ألا ترى أنك تقول:لئن قمت لأقومنّ, ولا أقوم, وإني لقائم فلا تأتي بعائد. قال:وأما قولهم:مررت بدار الذراع بدرهم وببرّ قفيز بدرهم, فلا بد من أن يتصل بالأوّل بالعائد, وإنما يحذف العائد فيه, لأن الثاني تبعيض للأولّ مررت ببر بعضه بدرهم, وبعضه بدرهم; فلما كان المعنى التبعيض حذف العائد. قال:وأما ابتداء "إن "فى كل موضع إذا طال الكلام, فلا يجوز أن تبتدئ إلا بمعنى:قل إن الموت الذي تفرّون منه, فإنه جواب للجزاء, كأنه قال:ما فررتم منه من الموت, فهو ملاقيكم.
وهذا القول الثاني عندي أولى في ذلك بالصواب للعلل التي ذكرناها.