القول في تأويل قوله تعالى:سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (31)
اختلفت القرّاء في قراءة قوله:( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين (سَنَفَرغُ لَكُمْ ) بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( سَيَفرغ لَكُمْ ) بالياء، وفتحها ردّا على قوله:يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ولم يقل:يسألنا من في السموات، فأتبعوا الخبر الخبر.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.
وأما تأويله:فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى:سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له:قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي:أي أخذت فيه، وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه:(سَنَفْرغُ لَكُمْ ):سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال:ثنا أبو صالح، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال:وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) قال:دنا من الله فراغ لخلقه.
حدثنا ابن حُميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال:وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى:سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.