القول في تأويل قوله:قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره. قال الملأ من قوم فرعون لفرعون:أرجئه:أي أخِّره.
* * *
وقال بعضهم:معناه:احبس.
* * *
والإرجاء في كلام العرب التأخير. يقال منه:"أرجيت هذا الأمر "،و "أرجأته "، إذا أخرته. ومنه قول الله تعالى:تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ، [سورة الأحزاب:51] تؤخر, فالهمز من كلام بعض قبائل قيس، يقولون:"أرجأت هذا الأمر ",وترك الهمز من لغة تميم وأسد، يقولون:"أرجيته ". (21) .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض العراقيين:"أَرْجِهِ"بغير الهمز وبجرّ الهاء.
وقرأه بعض قرأة الكوفيين:"أَرْجِهْ"بترك الهمز وتسكين "الهاء "، على لغة من يقف على الهاء في المكنيِّ في الوصل، (22) إذا تحرك ما قبلها, كما قال الراجز:(23)
أَنْحَــى عَـلَيَّ الدَّهْـرُ رِجْـلا وَيَـدَا
يُقْسِـــمُ لا يُصْلِـــحُ إلا أَفْسَــدَا
فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهُ غَدَا (24)
وقد يفعلون مثل هذا بهاء التأنيث، فيقولون:"هذه طلحَهْ قد أقبلت ",كما قال الراجز:(25)
لَمَّــا رأَى أنْ لا دَعَــهْ وَلا شِــبَعْ
مَـالَ إلَـى أَرْطَـأةِ حِـقْفٍ فَاضْطَجَعْ (26)
وقراه بعض البصريين:"أَرْجِئْهُ"بالهمز وضم "الهاء ",على لغة من ذكرت من قيس.
* * *
قال أبو جعفر:وأولى القراءات في ذلك بالصواب، أشهرها وأفصحها في كلام العرب, وذلك ترك الهمز وجرُّ "الهاء ",وإن كانت الأخرى جائزة, غير أن الذي اخترنا أفصح اللغات وأكثرها على ألسن فصحاء العرب.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"أرجه "
فقال بعضهم:معناه:أخره.
* ذكر من قال ذلك:
14924 - حدثنا القاسم, قال:حدثنا الحسين, قال:حدثني حجاج, قال:قال ابن جريج:أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس, قوله:"أرجه وأخاه "قال:أخِّره.
* * *
وقال آخرون. معناه احبسه.
* ذكر من قال ذلك:
14925 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله:"أرجه وأخاه "، أي:أحبسه وأخاه.
* * *
وأما قوله:"وأرسل في المدائن حاشرين "يقول:من يحشرُ السحرة فيجمعهم إليك. (27) .
* * *
وقيل:هم الشُّرَط.
* ذكر من قال ذلك:
14926 - حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا الحكم بن ظهير, عن السدي , عن ابن عباس:"وأرسل في المدائن حاشرين "، قال:الشرط.
14927 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر, عن أبيه, عن مجاهد:"وأرسل في المدائن حاشرين "، قال:الشرط.
14928 - قال:حدثنا حميد, عن قيس, عن السدي:"وأرسل في المدائن حاشرين "، قال:الشرط.
14929 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر, عن أبيه, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله:"في المدائن حاشرين "، قال:الشرط.
14930 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عباس:"وأرسل في المدائن حاشرين "، قال:الشرط.
----------------
الهوامش:
(21) تفصيل اللغات ونسبتها إلى قبائلها ، ليس في شيء من معاجم اللغة ، فهي زيادة تقيد في مكانها هناك .
(22) (( المكنى )) ، الضمير .
(23) هو دويد بن زيد بن نهد القضاعى ، وهو أحد المعمرين .
(24) طبقات فحول الشعراء:28 ، والمعمرين:20 ، وأما لى الشريف 1:137 ، والشعر والشعراء:51 والمؤتلف والمختلف:114 ، وشرح شواهد الشافية:274 ؛ وغيرها كثير ، وهو من قديم الشعر ، كما قال ابن سلام . ورواية هذه الأبيات تختلف اختلافا كبيرا في المراجع جميعا كما أشرت إليه في شرح طبقات ابن سلام. وكان في المطبوعة (( ألحى على الدهر )) ، و (( فقسمه لا نصلح )) ، وهذا خطأ فاسد صوابه في المخطوطة ، ومعاني القرآن للفراء .
(25) يقال هو:منظور بن حبة الأسدي.
(26) معاني القرآن للفراء 1:388 ، إصلاح المنطق:108 ، وتهذيب إصلاح المنطق 1:167 ، وشرح شواهد الشافية:274 - 276 ، 480 ، يصف ظبيا ، ويقول قبله:يَــا رَبُّ أَبَّـازٍ مِـنَ العُفْـرِ صَـدَعْ
تَقَبَّــضَ الــذّئْبُ إِلَيْــهِ وَاجْـتَمَعْ
قال التبريزى في شرحها:(( يصف ظبياً . والأباز:الذي يقفز . والعفر من الظباء:التي تعلو ألوانها حمرة . وتقبض:أي أنه جمع قوائمه ليثبت على الظبى . لما رأي أن أن لا دعه ، يعني الذئب ، لما رأي أنه لا يشبع من الظبى ولا يدركه ، وأنه قد تعب في طلبه . مال إلى أرطاة فاضطجع عندها . والأرطى:ضرب من شجر الرمل ، واحدته أرطاة . والحقف:المعوج من الرمل )) .
(27) انظر تفسير "الحشر"فيما سلف 12:115 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك.