وقوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم:معنى ذلك:وإذا البحار اشتعلت نارا وحَمِيت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن حريث، قال:ثنا الفضل بن موسى، قال:ثنا الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال:ثني أبيُّ بن كعب ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:قالت الجنّ للإنس:نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي تأجج نارا .
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال:قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود:أين جهنم؟ فقال:البحر، فقال:ما أراه إلا صادقاوَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) مخففة .
حدثني حوثرة بن محمد المنقري، قال:ثنا أبو أُسامة، قال:ثنا مجالد، قال:أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس، في قوله:إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْقال:كوّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث عليها ريحا دبورا، فتنفخه حتى يصير نارا، فذلك قوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) .
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:إنها توقد يوم القيامة، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله:وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِقال:بمنـزلة التنور المسجور ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) مثله .
قال:ثنا مِهران، عن سفيان ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:أوقدت .
وقال آخرون:معنى ذلك:فاضت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:فاضت .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:مُلئت، ألا ترى أنه قال:وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ.
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) يقول:فُجِّرت .
وقال آخرون:بل عُنِيَ بذلك أنه ذهب ماؤها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:غار ماؤها فذهب .
حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال:ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسين، في هذا الحرف ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:يبست .
حدثنا الحسين بن محمد، قال:ثنا يزيد بن زريع، قال:ثنا أبو رجاء، عن الحسن، بمثله.
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله:( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال:يبست.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:معنى ذلك:مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال:"وَإذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ "والعرب تقول للنهر أو للرَّكيّ المملوء:ماء مسجور؛ ومنه قول لبيد:
فَتَوَسَّـطا عُـرْضَ السَّـرِيّ وَصَدَّعـا
مَسْـــجُورَةً مُتَجــاوِرًا قُلامُهــا (2)
ويعني بالمسجورة:المملوءة ماء.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( سُجِّرَتْ ) بتشديد الجيم. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة:بتخفيف الجيم.
والصواب من القول في ذلك:أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
-----------------
الهوامش:
(2) البيت للبيد في معلقة ( انظره في شرحي الزوزني والتبريزي ) وقد مر استشهاد المؤلف به في الجزء ( 16:71 ) ، فارجع إليه ثمه .