وبعد أن بين- سبحانه- ما عليه أولياؤه من سعادة دنيوية وأخروية، أتبع ذلك بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أعدائه من أذى فقال:، وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً، هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
أى:ولا يحزنك يا محمد ما قاله أعداؤك في شأنك، من أنك ساحر أو مجنون، لأن قولهم هذا إنما هو من باب حسدهم لك، وجحودهم لدعوتك.
والنهى عن الحزن- وهو أمر نفسي لا اختيار للإنسان فيه- المراد به هنا النهى عن لوازمه، كالإكثار من محاولة تجديد شأن المصائب، وتعظيم أمرها، وبذلك تتجدد الآلام، ويصعب نسيانها.
وفي هذه الجملة الكريمة تسلية له صلى الله عليه وسلم وتأنيس لقلبه، وإرشاد له إلى ما سيقع له من أعدائه من شرور، حتى لا يتأثر بها عند وقوعها.
وقوله:إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تعليل للنهى على طريقة الاستئناف، فكأنه صلى الله عليه وسلم قد قال:وما لي لا أحزن وهم قد كذبوا دعوتي؟ فكان الجواب:إن الغلبة كلها، والقوة كلها لله وحده لا لغيره، فهو- سبحانه- القدير على أن يغلبهم ويقهرهم ويعصمك منهم، وهو السَّمِيعُ، لأقوالهم الباطلة، الْعَلِيمُ بأفعالهم القبيحة، وسيعاقبهم على ذلك يوم القيامة عقابا أليما.
ولا تعارض بين قوله- سبحانه- إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وبين قوله في آية أخرى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، لأن كل عزة لغيره- سبحانه- فهي مستمدة من عزته، وكل قوة من تأييده وعونه، والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، إنما صاروا أعزاء بفضل ركونهم إلى عزة الله- تعالى- وإلى الاعتماد عليه، وقد أظهرها- سبحانه- على أيديهم تكريما لهم.
ولذا قال القرطبي- رحمه الله- قوله:إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أى:القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، والقدرة التامة لله وحده، فهو ناصرك ومعينك ومانعك. وجَمِيعاً نصب على الحال، ولا يعارض هذا قوله:وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فإن كل عزة بالله فهي كلها لله، قال- سبحانه- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ .