لذا نجده يرد عليهم في استنكار وألم بقوله:قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ....
أى:قال يعقوب لأولاده بعد أن طلبوا منه بإلحاح إرسال أخيهم معهم، وبعد أن تعهدوا بحفظه:أتريدون أن أأتمنكم على ابني «بنيامين» ، كما ائتمنتكم على شقيقه يوسف من قبل هذا الوقت، فكانت النتيجة التي تعرفونها جمعا، وهي فراق يوسف لي فراقا لا يعلم مداه إلا الله- تعالى-؟!! لا، إننى لا أثق بوعودكم بعد الذي حدث منكم معى في شأن يوسف. فالاستفهام في قوله «هل آمنكم ... » للإنكار والنفي.
وقوله فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ تفريع على استنكاره لطلبهم إرسال «بنيامين» معهم، وتصريح منه لهم بأن حفظ الله- تعالى- خير من حفظهم.
أى:إننى لا أثق بوعودكم لي بعد الذي حدث منكم بالنسبة ليوسف، وإنما أثق بحفظ الله ورعايته «فالله» - تعالى- «خير حافظا» لمن يشاء حفظه، فمن حفظه سلم، ومن لم يحفظه لم يسلم، كما لم يسلم أخوه يوسف من قبل حين ائتمنتكم عليه «وهو» - سبحانه- أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لخلقه، فأرجو أن يشملني برحمته، ولا يفجعنى في «بنيامين» ، كما فجعت في شقيقه يوسف من قبل.
ويبدو أن الأبناء قد اقتنعوا برد أبيهم عليهم، واشتموا من هذا الرد إمكان إرساله معهم، لذا لم يراجعوه مرة أخرى.
قال الآلوسى ما ملخصه:«وهذا- أى رد يعقوب عليهم- ميل منه- عليه السلام- إلى الإذن والإرسال لما رأى فيه من المصلحة، وفيه أيضا من التوكل على الله- تعالى- ما لا يخفى، ولذا روى أن الله- تعالى- قال:«وعزتي وجلالي لأردهما عليك إذ توكلت على ... » وقرأ أكثر السبعة فالله خير حفظا ... وقرأ حمزة والكسائي وحفص «حافِظاً ... » وعلى القراءتين فهو منصوب على أنه تمييز ... » .