وقوله:( قيما ) تأكيد فى المعنى لقوله - سبحانه -:( وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) لأنه قد يكون الشئ مستقيما فى الظاهر ، إلا أنه لا يخلو عن اعوجاج فى حقيقة الأمر ، ولذا جمع - سبحانه - بين نفى العوج ، وإثبات الاستقامة .
قال صاحب الكشاف:فإن قلت:ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة ، وفى أحدهما غنى عن الآخر؟
قلت:فائدته التأكيد ، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ، ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح ، وقيل:قيما على سائر الكتب ، مصدقا لها ، شاهدا بصحتها ، وقيل:قيما بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع .
وشبيه بهذه الآية فى مدح القرآن الكريم قوله - تعالى -:( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد ) وقوله - سبحانه - . ( إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . . ) وقوله - عز وجل:( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) وقوله - تعالى -:( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً ) ثم شرع - سبحانه - فى بيان وظيفة القرآن الكريم ، بعد أن وصفه بالاستقامة والإِحكام ، فقال:( لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ .
. . ) .
والإِنذار:الإِعلام المقترن بتخويف وتهديد ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذارا .
واللام فى قوله ( لينذر ) متعلقة بأنزل ، والبأس:العذاب ، وهو المفعول الثانى للفعل ينذر ، ومفعوله الأول محذوف .
والمعنى:أنزل - سبحانه - على عبده الكتاب حالة كونه لم يجعل له عوجا بل جعله مستقيما ، لينذر الذين كفروا عذابا شديدا ، صادرا من عنده - تعالى - .
والتعبير بقوله ( من لدنه ) يشعر بأنه عذاب ليس له دافع ، لأنه من عند الله تعالى - القاهر فوق عباده .
أما وظيفة القرآن بالنسبة للمؤمنين ، فقد بينها - سبحانه - بعد ذلك فى قوله:( وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) .
أى:أنزل الله هذا القرآن ، ليخوف به الكافرين من عذابه ، وليبشر به المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحات ، أن لهم من خالقهم - عز وجل - أجراً حسنا هو الجنة ونعيمها .