ثم انتقلت السورة الكريمة من الحديث عن حكم القذف بصفة عامة ، إلى الحديث عن حكم القذف إذا ما حدث بين الزوجين ، فقال - تعالى -:( والذين يَرْمُونَ . . . ) .
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة ، منها ما أخرجه البخارى عن ابن عباس ، "أن هلال بن أمية ، قذف امرأته عند النبى صلى الله عليه وسلم بشَرِيك بن السحماء ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"البينة أوحَدٌّ فى ظهرك ". فقال:يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول له:"البينة أو حد فى ظهرك ".
فقال هلال:والذى بعثك بالحق إنى لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهرى من الحد . فنزل جبريل بهذه الآيات .
فانصرف النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول:إن الله يعلم أن أحدكم كاذب ، فهل منكما تائب؟ ثم قامت زوجته فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا:إنها موجبة - أى للعذاب ولغضب الله - تعالى - .
قال ابن عباس:فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت:لا أفضح قومى سائر اليوم ، فمضت .
وفى رواية فشهدت فى الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد . . ".
والمراد بالرمى فى قوله - تعالى - ( والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) الرمى بفاحشة الزنا .
وقوله - تعالى -:( وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ) أى:ولم يكن لهؤلاء الأزواج الذين قذفوا زوجاتهم بالزنا من يشهد معهم سوى أنفسهم .
وقوله:( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ) أى:فشهادة أحدهم التى ترفع عنه حد القذف ، أن يشهد "أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين "فيما رماها به من الزنا .
قال الجمل ما ملخصه:"قوله - تعالى - ( وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ) فى رفع أنفسهم وجها:أحدهما أنه بدل من شهداء ، والثانى ، أنه نعت له على أن إلا بمعنى غير ، ولا مفهوم لهذا القيد . بل يلاعن ولو كان واجدا للشهود الذين يشهدون بزناها . وقوله:( فَشَهَادَةُ ) مبتدأ ، وخبره "أربع شهادات "أى:فشهادتهم المشروعة أربع شهادات . . . ".
وقرأ الجمهور:"أربع شهادات "بالنصب على المصدر ، لأن معنى:فشهادة:أن يشهد .
والتقدير:فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما قاله .