اللعان:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( 6 ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ( 7 ) وَيَدْرَأُعَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( 8 ) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 9 ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ( 10 )} .
التفسير:
6 ،7 ،8 ،9 ،10 - وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ ...الآيات .
يرمون أزواجهم: يقذفونهن بالريبة وتهمة الزنا .
لعنة الله: الطرد من رحمته .
يدرأ: يدفع .
غضب الله: سخطه والبعد عن فضله وإحسانه .
سبب النزول:
تعددت روايات أسباب نزول آيات اللعان ،ويمكن أن يجمع بينها بتعدد السبب والنازل واحد .
1 – أخرج البخاري من طريق عكرمة ،عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريك ابن سمحاء ،فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: البينة أو حد في ظهرك )55 .فقال: يا رسول الله ،إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا ،ينطلق يلتمس البينة ؟وفي رواية أنه قال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ،ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد ،فنزل جبريل – عليه السلام – وأنزل عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ .حتى بلغ: إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ .1 ه .وهي الآيات: 6 – 10 من سورة النور .
2 – وأخرج الشيخان ( واللفظ للبخاري ) عن سهل بن سعد: أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان ،فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا ،أيقتله فتقتلونه ،أم كيف يصنع ؟سل لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ،فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسائل وعابها ،فقال عويمر: والله ،لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ،فجاءه عويمر ،فقال: يا رسول الله ،رجل وجد مع امرأته رجلا ،أيقتله فتقتلونه ،أم كيف يصنع ؟فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبك ) ،فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها56 .فهاتان الروايتان صحيحتان ،ولهما شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة ،وتفيدان تأخر الجواب إلى وقت الحاجة إليه .
كيفية اللعان:
1 – روى أصحاب الصحاح الستة ،والإمام أحمد في مسنده ،وابن جرير الطبري في تفسيره ،عن ابن عباس ،وأنس بن مالك – رضي الله عنهما – أن هلال بن أمية وزوجته57 ،أرسل إليهما بعد نزول هذه الآية ،فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ،فقال هلال: والله ،يا رسول الله ،لقد صدقت عليها .فقالت: كذب .فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لاعنوا بينهما ) .فقيل لهلال: اشهد .فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ،فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ،وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب .وأيضا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرارا: ( إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ،فهل منكما تائب ) ؟فقال هلال: والله لا يعذبني الله عليها ،كما لم يجلدني عليها .فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين58 .
ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ،وقيل لها عند الخامسة: اتقي الله ،فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ،وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ،فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ،ثم قالت: والله لا أفضح قومي .فشهدت في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ،ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضى ألا يدعى ولدها لأب ،ولا يرمى ولدها ،ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ،وقضى أن لا بيت لها عليه ،ولا قوت لها من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ،ولا متوفى عنها .
ثم قال للناس: ( إن جاءت به أصيهب59 أريشح60 حمش الساقين61 فهو لهلال ،وإن جاءت به أورق62 جعدا63 حماليا64 خدلج الساقين65 سابغ الإليتين66 فهو الذي رميت به ) .فجاءت به أوراق ،حماليا ،خدلج الساقين ،سابغ الإليتين ،فهو للذي رميت به ) .فجاءت به أورق حماليا ،خدلج الساقين ،سابغ الإليتين ،فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لولا الأيمان – وفي رواية أخرى – لولا ما مضى من كتاب الله ،لكان لي ولها شأن )67 .
2 – جاءت قصة عويمر العجلاني التي سبق ذكرها في الصحيحين68 وفيها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا عويمرا وزوجته فذكرهما ،وقال لهما ثلاثا: ( إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ...فهل منكما تائب ) ؟فلما لم يتب أحدهما لاعن بينهما .
قال عويمر: إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ،فطلقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .قال سهل بن سعد فنفذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرق بينهما ،وقال: ( لا يجتمعان أبدا ) وزاد سهل بن سعد: وكانت حاملا فأنكر حملها ،وكان ابنها يدعى إليها ،ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لهما .
3 – ولهاتين القضيتين شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة .وليس فيها التصريح بأسماء المتلاعنين ،فقد تكون بعضها متعلقة بهاتين القضيتين ،ولكن قد جاء في بعضها ذكر قضايا أخرى ،فهذه التفاصيل تزودنا بكثير من الأمور الموضحة لأحكام اللعان:
( أ ) روى الجماعة عن ابن عمر ،أن رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها ،في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتلاعنا كما قال الله ،ثم قضى بالولد للمرأة وفرق بينهما .
( ب ) روى البخاري ،ومسلم ،وأبو داود ،عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمتلاعنين: ( حسابكما على الله ،أحدكما كاذب ولا سبيل لك عليها ) .قال: يا رسول الله مالي ؟قال: ( لا مال لك ،إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ،وإن كنت كذبت فذلك أبعد لك منها ) .
( ج ) روى البخاري ،ومسلم ،وأحمد ،وأبو داود ،عن أبي هريرة: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن امرأتي ولدت غلاما أسود .فقال: ( هل لك من إبل ) ؟قال: نعم .قال: ( ما لونها ) ؟قال: حمر .قال: ( فهل فيها أورق ) ؟قال: نعم .قال: ( فكيف ذاك ) ؟قال: نزعة عرق .قال: ( فلعل هذا نزعة عرق )69 .
فلم يقبل نفيه لولده ،ولم يحمل قوله على الرمي بالزنا .
( د ) روى أبو داود ،والنسائي ،والدارمي ،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ؛فليست من الله في شيء ،ولن يدخلها الله جنته ،وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ؛احتجب الله منه يوم القيامة ،وفضحه على رءوس الأشهاد من الأولين والآخرين ) .
فآيات اللعان ؛وهذه الروايات والشواهد ،ومبادئ الشرع العامة هي المصادر لقانون اللعان في الإسلام ،وهي التي على ضوئها وضع الفقهاء ضوابط مفصلة للعان .
ومن أهم هذه الضوابط يأتي:
1 – أجمع الفقهاء على أن اللعان كالشهادة ،فلا يثبت إلا في المحكمة .
2 – ليس الحق في المطالبة باللعان للرجل فحسب ،بل هو للمرأة أيضا ،إذا اتهمها زوجها بالفاحشة أو أنكر ولدها .
3 – اختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله ،هل يقتل به أم لا ؟فقال بعضهم: يقتل به ،لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن من الحاكم ،وقال بعضهم: لا يقتل ،ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه ،وشرط أحمد وإسحاق رحمهما الله ،أن يأتي بشاهدين على أنه قتله بسبب ذلك وقد وافقهما على هذا الشرط ابن القاسم وابن حبيب من المالكية ،ولكن زاد عليه أن يكون المقتول محصنا ،وإلا فإن القاتل عليه القصاص إن كان بكرا ،أما الجمهور فذهبوا إلى أنه لا يعفى من القصاص ،إلا أن يأتي بأربعة يشهدون على الزنا ،أو يعترف به المقتول قبل موته بشرط أن يكون محصنا .
4 – أن اللعان لا يجب بمجرد الكناية أو إظهار الشبهة ،وإنما يجب بأن يرمي الزوج زوجته بالزنا صراحة ،أو ينكر أن ولدها منه بألفاظ واضحة ،وقد زاد مالك ،والليث بن سعد – رحمهما الله – أن الزوج عليه أن يصرح عند اللعان بأنه قد رأى بعينيه زوجته تزني ،ولكن لا أصل لهذه الزيادة في القرآن ولا في السنة .
5 – أخذ العلماء من أحاديث اللعان ،أنه يندب أن يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة ،وتقام المرأة والرجل قاعد حتى تشهد ،وأن يعظهما القاضي أو نائبه ،بمثل قوله لكل منهما عند الانتهاء إلى اللعنة والغضب: اتق الله فإنها موجبة ،ولعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ،كما يستحب التغليظ بالزمان والمكان ،وحضور جمع من عدول المسلمين ،على خلاف في ذلك بين الفقهاء ومحله كتب الفروع .
6 - قال القرطبي:
اللعان يفتقر إلى أربة أشياء:
عدد الألفاظ: وهو أربع شهادات ،والمكان: وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان ،إن كان بمكة فعند الركن والمقام ،وإن كان بالمدينة فعند المنبر ،وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة ،وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها .
والوقت: وذلك بعد صلاة العصر .
وجمع الناس: وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا ،فاللفظ وجمع الناس مشروطان ،والزمان والمكان مستحبان70 .
7 – من نتائج اللعان ما يأتي:
( أ ) أن الرجل والمرأة لا يستحق أحدهما شيئا من العقوبة .
( ب ) إن كان الرجل منكرا لولد المرأة ،ألحق الولد بها ،ولا يدعى إليه ولا يرثه ،وإنما يرث أمه وترث منه .
( ج ) لا يجوز لأحد أن يقول للمرأة زانية ،ولولدها ولد الزنا ،ولو كانت عند اللعان حيث لا يشك أحد في زناها .
( د ) من أعاد إليها الاتهام السابق ،وجب عليه حد القذف .
( ه ) لا يسقط عن الرجل صداق المرأة .
( و ) لا نفقة ولا بيت للمرأة على الرجل .
( ز ) تحرم المرأة على الرجل .
8 – ذكر القرطبي في تفسيره أن آيات اللعان فيها ثلاثون مسألة ،منها كيفية وقوع الفرقة في اللعان:
قال مالك وأصحابه: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين ،فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان ،ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده ،وهو قول الليث بن سعد ،وزفر بن الهذيل ،والأوزاعي .
وقال أبو حنيفة ،وأبو يوسف ،ومحمد بن الحسن: لا تقع الفرقة بعد فراغها من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما ،وهو قول الثوري ،لقول ابن عمر: فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المتلاعنين .فأضاف الفرقة إليه ،ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا سبيل لك عليها ) .وقال الشافعي: إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان ،فقد زال فراش امرأته ،التعنت أو لم تلتعن ،قال: وأما التعانها فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير71 .
( والذي تقتضيه حكمة اللعان أن يكون التحريم مؤبدا ،فإن لعنة الله وغضبه قد حلا بأحدهما لا محالة ،ولا يعلم على من حل به ذلك منهما يقينا ،فوجب التفريق بينهما ،خشية أن يكون الزوج هو الذي قد وجبت عليه لعنة الله وباء بها ،فيعلو امرأة غير ملعونة ،وحكمة الشرع تأبى ذلك ،كما تأبى أن يعلو الكافر المسلمة ،وأيضا فإن النفرة الحاصلة من إساءة كل واحد منهما إلى صاحبه لا تزول أبدا )72 .
9 – قال العلماء: لا يحل للرجل قذف زوجته ،إلا إذا علم زناها ،أو ظنه ظنا مؤكدا ،كأن شاع زناها بفلان وصدقت القرائن بذلك ،والأولى به تطليقها سترا عليها ما لم يترتب على فراقها مفسدة ،هذا إذا لم يكن هناك ولد ،فإن أتت بولد علم أنه ليس منه ،أو ظنه ظنا مؤكدا ،وجب عليه نفيه ،وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو حرام ،كما يحرم عليه نفي من هو منه ،وإنما يعلم أن الولد ليس منه ،إذا لم يطأها أصلا ،أو وطئها وأتت به لدون ستة أشهر من الوطء73 .
10 – قال تعالى في آخر آيات اللعان: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ .
وهي تعقيب على هذا التخفيف والتيسير ،ومراعاة الأحوال والظروف ،فقد بين الله أحكام اللعان عند الحاجة إليها ،ليعلم المؤمنين التزام أحكام الوحي ،وليثق المؤمن برعاية الله ،واستجابته لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،كما قال هلال بن أمية: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ،والله يعلم أني لصادق .
قال النسفي: وجواب لولا محذوف ،أي: لعاجلكم بالعقوبة أو لفضحكم .
والحكمة في حذفه أن تذهب النفس في تصوره كل مذهب .أي: ولكن الله ستر عليكم ودفع عنكم الحد باللعان ،إذ لو لم يشرع لكم ذلك لوجب على الزوج حد القذف ،مع أن قرائن الأحوال تدل على صدقه ،لأنه أعرف بحا زوجه ،وأنه لا يفتري عليها ،لاشتراكهما في الفضيحة ،ولو جعل شهادته موجبة لحد الزنا عليها ،لأهمل أمرها وكثر افتراء الزوج عليها ،لضغينة قد تكون في نفسه من أهلها ،وفي كل هذا خروج من سبق الحكمة والفضل والرحمة .
ومن ثم جعل شهادات كل منهما مع الجزم بكذب أحدهما ،دارئة عنه العقوبة الدنيوية ،وإن كان قد ابتلى الكاذب منهما في تضاعيف شهادته ،بأشد مما درأه عن نفسه ،وهو العقاب الأخروي74 .
صيغة اللعان في كتب الفقه .
جاء في كتاب الاختيار ( فقه حنفي ) ما يأتي:
( وصف اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع مرات ،يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا .ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ،فيما رميتك به من الزنا .
وإن كان القذف بولد يقول: فيما رميتك به من نفي الولد ،وإن كان بهما يقول: فيما رميتك به من الزنا ومن نفي الولد ،لأنه المقصود باليمين .
ثم تشهد المرأة أربع شهادات ،تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ،وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين ،فيما رماني به من الزنا ،وفي نفي الولد تذكره كما تقدم .
فإذا التعنا فرق الحاكم بينهما ،فإذا فرق بينهما كانت تطليقة بائنة .
فإن كان القذف بولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه ؛لأنه صلى الله عليه وآله وسلم نفى ولد امرأة هلال وألحقه بأمه .
ويصبح نفي الولد عقب الولادة ،وفي حالة التهنئة ،وابتياع آلة الولادة فيلاعن وينفيه القاضي .
ومعلوم أن الإنسان لا يشهد عليه بنسب ولده ،وإنما يستدل على ذلك بقبوله التهنئة ،وابتياع متاع الولادة ،وقبول هدية الأصدقاء ،فإذا فعل ذلك أو مضى مدة يفعل فيه ذلك عادة ،وهو ممسك كان اعترافا ظاهرا ،فلا يصح نفيه بعده ،وإن كان غائبا فعلم فكأنها ولدت حال علمه )75 .
خاتمة:
ألا ليت قومي يعلمون أحكام دينهم ،وتشريع ربهم ،فيخلعون عن أنفسهم أوضار الجاهلية ،ونظام القوانين الوضعية ،ويستعدون لقبول نظام الخالق ،وأحكام الإله العادل .
فهو العليم بحال عباده ،الحكيم فيما شرع لهم ،ولو أن المسلمين عادوا لأحكام الإسلام ،ونفذوا أوامره ،وحكموا مبادئه لعادت لهم وحدة الصف ،وقوة الكلمة ،وجلال الهيبة ،ولصاروا بنعمة الله إخوانا تباركهم السماء ،وتخشاهم قوى الشر والشرك .
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ .( المائدة: 66 ) .