وقد فعلنا ذلك لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
أى:لنجعل لكم هذه النعمة وهي إنجاؤكم وإنجاء آبائكم من الغرق- عبرة وعظة وتذكيرا بنعم الله- تعالى- عليكم.
وهذه النعمة والمنة تَعِيَها
وتحفظها أُذُنٌ واعِيَةٌ
. أى:أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه، وتعى ما يجب وعيه.
فقوله:واعِيَةٌ
من الوعى بمعنى الحفظ للشيء في القلب. يقال:وعى فلان الشيء يعيه إذا حفظه أكمل حفظ.
وقال- سبحانه- حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ مع أن الحمل كان للآباء الذين آمنوا بنوح- عليه السلام- لأن في نجاة الآباء، نجاة للأبناء، ولأنه لو هلك الآباء لما وجد الأبناء.
قال صاحب الكشاف قوله:حَمَلْناكُمْ أى:حملنا آباءكم، في الجارية، أى:في السفينة الجارية، لأنهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين، كان حمل آبائهم منة عليهم، وكأنهم هم المحمولون، لأن نجاتهم سبب ولادتهم.
لِنَجْعَلَها
الضمير للفعلة:وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة تَذْكِرَةً
عبرة وعظة. وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
من شأنها أن تعى وتحفظ ما يجب حفظه ووعيه، ولا تضيعه بترك العمل.
فإن قلت:لم قيل:أذن واعية على التوحيد والتنكير؟ قلت:للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله، فهي السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواها لا يبالى بهم، وإن ملأوا الخافقين.. .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت الناس بأهوال يوم القيامة بأبلغ أسلوب، وبينت ما حل بالمكذبين بطريقة تبعث الخوف والوجل في القلوب.
ثم أخذت السورة في تفصيل أهوال يوم القيامة، وفي بيان ما تكون عليه الأرض والسماء في هذا اليوم، وفي بيان ما أعده- سبحانه- لمن أوتى كتابه بيمينه في هذا اليوم، فقال- تعالى-: