{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} في ما تفتح به قلوبكم وعقولكم على ما يؤاخذ الله به عباده الذين يمتدّون في الطغيان ،حتى لا يبقى هناك مجالٌ للرحمة عندما يتحوّلون إلى سدٍّ قويٍّ أمام الإيمان ،بحيث يحُوْلون بين الناس وبينه ،كما يخلِّص الله عباده المؤمنين عندما يتمرّدون على كل الضغوط الشديدة التي تضغط عليهم ،فلا يزيدهم ذلك إلا إصراراً والتزاماً بالله في كل تعاليمه ،ليفكر الإنسان في ذلك كله ،ليتذكر حقائق الأشياء حتى لا يستسلم للغفلة التي تقوده إلى الضلال .
{وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فلا تسمع الكلمة بطريقةٍ سريعةٍ انفعالية ،بحيث لا تتوقف عند مدلولاتها بعمق ،ولا تنفتح على آفاقها بشمولية ،ولا ترصد إيحاءاتها بمسؤولية ،بل تسمعها سماع الوعيَّ الذي يريد أن يؤكد للإنسان شخصيته الثقافية المنطلقة في خط العقيدة المسؤولة ،والحركة الواعية ،والهدف الكبير ،لأن الله يريد للإنسان أن يرتفع إلى مستوى المعرفة العالية التي تربطه بالله ،وتربطه بحقائق الأشياء كلها من خلاله .ولا يكون ذلك إلا بالاستماع إلى كلام الله في ما يتضمنه من دروس وعبرٍ ،بالأذن الواعية التي لا تكتفي بالكلمة التي ترنّ في داخل طبقات السمع ،بل تنطلق بها إلى العقل الذي يضعها في نصابها الصحيح في دائرة المعرفة ،ليتكامل السمع والعقل في تحقيق النتائج الحاسمة للمعرفة ،لتعطي الأذن المادّة الخام ،ويتحرك العقل في تصنيعها وربطها بغيرها مما لديه من مفرداتٍ كونيّةٍ وإنسانيّةٍ ،ليدفع بالمسألة الفكرية إلى الوعي العملي للإنسان ،فيحركها في واقع الحياة ،لتستقيم الحياة لديه في خط الفكر والحركة .
وهكذا نستوحي من هذه الآية أن المفروض في الإنسان المؤمن أن يتحرك في مسموعاته التي هي نموذجٌ لكل أدوات الحس ،من منطق الوعي الذي يحدّق بالأشياء أو يلمسها أو يسمعها ،من خلال النافذة التي تطل على عقله ، ولا تتجمد في زوايا الحسّ المحدود .