ثم بين- سبحانه- ما جرى بعد ذلك فقال:فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ، أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً.
التأذن:رفع الصوت بالإعلام بالشيء. واللعنة:الطرد والإبعاد مع الخزي والإهانة.
والمعنى:بعد أن قامت الحجة على الكافرين وثبت الفوز للمؤمنين. نادى مناد بين الفريقين بقوله:لعنة الله على الظالمين لأنفسهم، ولغيرهم، الذين من صفاتهم أنهم يمنعون الناس عن اتباع شريعة الله، ويريدون لها أن تكون معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها الناس، وهم بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب جاحدون مكذبون.
وفي قوله:فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ. نكر المؤذن لأن معرفته غير مقصودة بل المقصود الإعلام بما يكون هناك من الأحكام ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، فهو من أمور الغيب التي لا تعلم علما صحيحا إلا بالتوقيف المستند إلى الوحى، وما ورد في ذلك فهو من الآثار التي لا يعتمد عليها.
قال بعض العلماء:«وفي هاتين الآيتين تعرض السورة لمرحلة أخرى من مراحل العذاب، وهي نداء أصحاب الجنة لأصحاب النار نداء يسجل عليهم الخزي والنكال، ويشعرهم بالحسرة والندامة، إذ كذبوا بما يرونه الآن واقعا في مقابلة النعيم الذي صار إليه أهل الإيمان، وأحسوا به كذلك واقعا.
وفي هذا نرى صورة من الحديث الذي يمثل الرضا والاطمئنان واللذة من جانب. ويمثل الحسرة والذلة والقلق من جانب آخر. ويصور الحكم النافذ الذي لا مرد له ولا محيص عنه يؤذن به مؤذن لا يدرك كنهه ولا يعلم من هو ولا ما صوته ولا كيف يلقى أذانه، ولا كيف يكون أثر هذا الأذن في نفوس سامعه.
وإنه لتصوير قوى بارع، يحرك إليه النفوس، ويهز المشاعر، ويبين أن النهاية الأليمة المتوقعة لهؤلاء المكذبين، إنما هي تسجيل اللعنة عليهم، والطرد والحرمان من رحمة الله، مشيرا إلى أسباب ذلك الحرمان الماثلة في ظلمهم الذي كونه صدهم عن سبيل الله، وبغيهم إياها عوجا وانحرافا وكفرهم بدار الجزاء» .