المراد بالظّالمين: المشركون ،وبالصدّ عن سبيل الله: إمّا تعرّض المشركين للراغبين في الإسلام بالأذى والصّرف عن الدّخول في الدّين بوجوه مختلفة ،وسبيل الله ما به الوصول إلى مرضاته وهو الإسلام ،فيكون الصدّ مراداً به المتعدي إلى المفعول .وإما إعراضهم عن سماع دعوة الإسلام وسماع القرآن ،فيكون الصدّ مراداً به القاصر ،الذي قيل: إنّ مضارعه بكسر الصّاد ،أو إن حق مضارعه كسر الصّاد ،إذ قيل لم يسمع مكسور الصّاد ،وإن كان القياس كَسْر الصّاد في اللاّزم وضمَها في المتعدي .
والضّمير المؤنّث في قوله:{ ويبغونها} عائد إلى{ سبيل الله} .لأنّ السّبيل يذكّر ويؤنّث قال تعالى:{ قل هذه سبيلي}[ يوسف: 108] وقال:{ وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً}[ الأعراف: 146] .
والعِوَج: ضدّ الاستقامة ،وهو بفتح العين في الأجسام: وبكسر العين في المعاني .وأصله أن يجوز فيه الفتح والكسر .ولكن الاستعمال خصّص الحقيقة بأحد الوجهين والمجازَ بالوجه الآخر ،وذلك من محاسن الاستعمال ،فالإخبار عن السبيل ( عِوج ) إخبار بالمصدر للمبالغة ،أي ويرومون ويحاولون إظهار هذه السّبيل عوجاء ،أي يختلقون لها نقائص يموّهونها على النّاس تنفيراً عن الإسلام كقولهم:{ هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل مُمَزّق إنّكم لفي خَلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جنة}[ سبأ: 7 ،8] ،وتقدّم تفسيره عند قوله تعالى:{ يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً} في سورة آل عمران ( 99 ) .
وورد وصفهم بالكفر بطريق الجملة الاسميّة في قوله:{ وهم بالآخرة كافرون} للدّلالة على ثبات الكفر فيهم وتمكّنه منهم ،لأنّ الكفر من الاعتقادات العقليّة التي لا يناسبها التّكرّر ،فلذلك خولف بينه وبين وصفهم بالصدّ عن سبيل الله وبغي إظهار العِوَج فيها ،لأنّ ذَيْنك من الأفعال القابلة للتّكرير ،بخلاف الكفر فإنّه ليس من الأفعال ،ولكنّه من الانفعالات ،ونظير ذلك قوله تعالى:{ يرزق من يشاء وهو القوي العزيز}[ الشورى: 19] .