ونلاحظ أن ( قد ) في قوله تعالى:{ أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} للتحقيق أن ذلك محقق لا محالة وقد عرف الله تعالى الظالمين الذين استحقوا لعنة الله ، فقال عز من قائل:{ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون ( 45 )} .
هذا بيان للظالمين ، فذكر – سبحانه وتعالى – لهؤلاء ثلاثة أوصاف:
أولها –{ يصدون عن سبيل الله} أي يعرضون عنها ، ويمنعون غيرهم منها ، كالسخرية ممن يؤمنون ، واستضعافهم والتشكيك في عقائدهم والغطرسة عليهم ، وإيذاءهم والاستخفاف بهم ، والإصرار على باطلهم ، والتواصي بالباطل بينهم على مقاومة الهداة والمرشدين وتهديدهم بالأذى ، كما قالوا:{. . . . . . . ولولا رهطك لرجمناك . . . . . . . ( 91 )} ( هود ) ، وهكذا . فسبيل الله تعالى هي الصراط المستقيم الموصل إلى الحق فهم يصدون عنه ، وكأنهم يقفون على رأس الطريق يمنعون من يدخل فيه ، فهم يترصدون أهل الهدى ، ويردونهم .
الوصف الثاني –{ ويبغونها عوجا} ، وعوج:مصدر موصوف به ، ويبغون يطلبون بشدة كأنها أمر هو بغيتهم التي يبتغونها ، والمعنى يريدون الصراط المستقيم معوجة متعرجة سبلا للباطل . إن الفطرة تتجه نحو الاستقامة ، فلا تطلب إلا المستقيم الذي لا عوج فيه فهم يريدون تحويل فطرتهم وفطرة غيرهم عن طريقها ، يعبدون الأوثان ، ويعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنهم يعوجون بها فيقولون:{. . . . . . . . . . ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . . . . . . . . ( 3 )} ( الزمر ) ، وهكذا يتركون كل مستقيم ، ويريدون كل معوج ، وذلك لسيطرة الأوهام عليهم ، وتسلط الأهواء والشهوات ، والعصبية والغطرسة والعنجهية الجاهلية فيهم .
الوصف الثالث – وهو الذي ذهب بهم في متاهات الضلال وقد ذكره الله – سبحانه وتعالى – بقوله:{ وهم بالآخرة كافرون} أي أنهم لا يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والعقاب ، أو الثواب ويقولون:{ إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( 38 )} ( المؤمنون ) .
وقد أكد – سبحانه وتعالى – كفرهم باليوم الآخر ، وهو يبتدئ من البعث إلى أن توفى كل نفس ما كسبت بأن تنال جزاءها من النعيم أو الجحيم .
أكد كفرهم بعدة مؤكدات أولها – ذكر ضمير الفصل ( هم ) ، فذلك يؤكد الحكم ، وثانيها – تقديم الجار والمجرور ، وقوله تعالى:{ بالآخرة} على{ كافرون} ففي ذلك تأكيد لكفرهم به ، وثالثها – التعبير بالجملة الإسمية ، فإنها تدل على استمرارهم على هذا الكفر ، وأنهم جاحدون جحدا ( لا مثنوية فيه ) ( 1 ){[1108]} .