وقوله- تعالى-:وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا معمول لقول مقدر، وهذا القول المقدر معطوف على أقوال نوح السابقة.
أى:قال نوح مناجيا ربه بعد أن يئس من إيمان قومه:يا رب، إن قومي قد عصوني، وإنهم قد اتبعوا رؤساءهم المغرورين، وإن هؤلاء الرؤساء قد مكروا بي وبأتباعى مكرا عظيما، ومن مظاهر مكرهم أنهم حرضوا السفهاء على العكوف على عبادة أصنامهم.. وأنهم قد أضلوا خلقا كثيرا بأن حببوهم في الكفر وكرهوا إليهم الإيمان.
وقال نوح- أيضا- وأسألك يا رب أن لا تزيد الكافرين إلا ضلالا على ضلالهم، فأنت الذي أخبرتنى بأنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.
وإذا فدعاء نوح- عليه السلام- عليهم بالازدياد من الضلال الذي هو ضد الهدى، إنما كان بعد أن يئس من إيمانهم، وبعد أن أخبره ربه أنهم لن يؤمنوا.
قال صاحب الكشاف:قوله:وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً الضمير للرؤساء، ومعناه:وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام.. ويجوز أن يكون الضمير للأصنام، كقوله- تعالى- إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.
فإن قلت:علام عطف قوله:وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا؟ قلت:على قوله رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي على حكاية كلام نوح.. ومعناه:قال رب إنهم عصون، وقال:ولا تزد الظالمين إلا ضلالا.
فإن قلت:كيف جاز أن يريد لهم الضلال، ويدعو الله بزيادته؟ قلت:لتصميمهم على الكفر، ووقوع اليأس من إيمانهم.. ويجوز أن يريد بالضلال:الضياع والهلاك...