ثم بين- سبحانه- أنه لا يستوي من أسس بنيانه على الحق، ومن أسس بنيانه على الباطل فقال:أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ، أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ...
قال صاحب الكشاف:قرئ أسّس بنيانه، وأسّس بنيانه على البناء للفاعل والمفعول.
والشفا:الحرف والشفير. وحرف الوادي:جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول، فيبقى واهيا، والهار وهو المتصدع الذي أوشك على التهدم- وهار صفة لجرف، أى جرف موصوف بأنه هائر أى متساقط.
والمعنى:أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه «خير أم من» أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء، وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل «شفا جرف هار» في قلة الثبات والاستمساك. وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى، لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى.
فإن قلت:فما معنى قوله:«فانهار به في نار جهنم» .
قلت:لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل، قيل:فانهار به في نار جهنم، على معنى:
فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليتصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف من أودية جهنم. فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام، ولا أدل منه على حقيقة الباطل وكنه أمره» .
وقال صاحب المنار ما ملخصه:والمراد بالمثل هنا بيان ثبات الحق الذي هو دين الإسلام وقوته، ودوامه، وسعادة أهله به، وذكره بأثره وثمرته في عمل أهله وجماعها التقوى، وبيان ضعف الباطل واضمحلاله وقرب زواله، وخيبة صاحبه، وسرعة انقطاع آماله.
وقد ذكر في وصف بنيان الفريق الأول وهم المؤمنون المشبه دون المشبه به لأنه هو المقصود بالذات وذكر من وصف الفريق الثاني- وهم المنافقون- الهيئة المشبه بها دون المشبه، لأنه ذكر قبل ذلك مقاصدهم الخبيثة من بناء مسجد الضرار. وهذا من دقائق إيجاز القرآن» .
وقوله:وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى مضت سنة الله- تعالى- في خلقه أنه- سبحانه- لا يهدى إلى طريق الخير أولئك الذين استحبوا العمى على الهدى وظلموا أنفسهم بوضعهم الأمور في غير مواضعها.