قوله تعالى:{أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين 109 لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم} .
الهمز للاستفهام الإنكاري .والفاء للعطف .وأسس ؛أي وضع الأساس ،وهو أصل البناء وقاعدته التي يقوم عليها .أو هو أصل كل شيء{[1902]} .والبنيان ،مصدر كالغفران ،فالله عز وعلا يبين في هذه الآية التفريق بين المسجدين وانتفاء المساواة بينهما .وعلى هذا لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من الله{ورضوان} أي طاعته سبحانه ،ومن بنى مسجدا ضرارا يريد به أن يفرق بين المسلمين فيثير فيهم الفتنة والفرقة والفوضى .إن هذين لا يستويان ،فأولهما سبيله الهداية والحق ،وكلاهما يفضي إلى الجنة .وأما الآخر: فسبيله الضلال والباطل ،وكلاهما يفضي إلى جهنم والعياذ بالله ،فأي الفريقين خير ؟هل هو المؤمن التقي الطائع لربه ،أم هذا المنافق المتربص الخبيث ؟هذا الذي أسس بنيانه وهو مسجد الضرار{على شفا جرف هار} .أما قوله:{خير} فلا يفيد الشركة بين لاالمسجدين ولا بين مؤسس هذا وذاك في خير إلا على معتقد باني مسجد الضرار .فيحسب ذلك المعتقد صح التفضيل{[1903]} .
قوله:{على شفا جرف هار} الشفا ،الطرف .والجرف بضمتين ،معناه البئر ،أو الهوة وما يجرفه السيل من الأدوية لجرف الماء له{[1904]} .وهار ،أي متصدع مشرف على السقوط .وأصله هاير وهارر{[1905]} .
فالحق او التقوى والإخلاص قد أسس على قاعدة قوية محكمة بالغة الثبات والتماسك .وفي مقابلة ذلك ،الباطل والنفاق فقد أسس على أوهى القواعد وأضعفها وأقلها ثابتا وتماسكا لأن الباطل مثله مثل الجرف الواهن المتداعي الآيل للسقوط والانهيار .وهو على أية حال صائر لا محالة إلى الانهيار بصاحبه المنافق في نار جهنم .وهذا هو مصير أهل الباطل والنفاق الذين يسعون في الأرض فسادا ،والذين يتربصون بالإسلام والمسلمين الدوائر ،يبتغون لهم الشرور والمصائب ويمكرون بهم مع الماكرين .لا جرم أن مردهم إلى سوء العذاب ؛إذ ينهار بهم بنيانهم المضطرب ليلج بهم في جهنم بنارها المستعرة وعذابها المفظع البئيس .
{والله لا يهدي القوم الظالمين} وهم المشركون الذين يفخرون بالحرم ،ويستكبرون فيه لأنهم أهله وعماره ؛فهم بشركهم وضلالهم لا ينفعهم قيامهم على سقاية الحاج ولا عمارتهم للمسجد الحرام ،إنهم تجديهم أفعال الخير ماداموا سادين في غيهم وإشراكهم بالله .