قوله:{لا تقم فيه أبدا} أي لا تصل فيه أبدا .والقيام يراد به هنا الصلاة ؛فقد نهي نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن الصلاة في هذا المسجد المريب الذي بناه المنافقون لإضعاف المسلمين والطعن في دينهم وإيقاع الخلاف بينهم .وفي مقابل ذلك يحض الله ورسوله والمؤمنين على الصلاة في مسجد قباء أو كل مسجد بني طاعة الله وإخلاصا لدينه العظيم فقال سبحانه:{لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم في} اللام ،لام الابتداء .وقيل: للقسم ؛أي: والله{لمسجد أسس} الآية .وعلى الوجهين فمسجد مبتدأ ،والجملة بعده صفته .
والخبر ،الجملة بعده{أحق أن تقوم فيه} و{أحق} ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق ؛فإنه لا مفاصلة بين المسجدين ،وهما مسجد النفاق ومسجد التقوى{[1900]} ،وهذا أحق أن يصلي فيه الرسول والمسلمين لتأسيسه من أول يوم على الطاعة والإخلاص والتقوى .
قوله:{فيه رجال يحبون أن تطهروا} نزلت هذه الآية في أهل قباء ؛فقد كانوا حرصاء على التطهر وما يقتضيه ذلك من حصول النظافة ؛إذ كانوا يستنجون بالماء .لا جرم أن الإسلام يدعو إلى النظافة ليكون المسلمون نظفاء في أبدانهم وكل أجسادهم ،فضلا عن نظافة قلوبهم وسلامة مقاصدهم وما يكنونه للناس من خير ورحمة ،وما يبتغونه للبشرية في كل زمان ومكان من بر وأمن وهداية .أما الثناء على أهل قباء من أجل حرصهم على النظافة والتطهير ؛ففيه روي الطبراني عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية{فيه رجال يحبون أن يتطهروا} بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هويم بن ساعدة فقال: ( ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ) فقال: يا رسول الله ما خرج من رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه ،أو قال: مقعدته .فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهو هذا ) وفي رواية لعويم بن ساعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( م هذا الذي أثنى الله عليكم ) قالوا يا رسول الله إنا نغسل الأدبار بالماء .
قوله:{والله يحب المطهرين} المطهرون يحظون بمحبة الله لهم .ومن مقتضيات محبة الله للذين يحبهم أن يرضى عنهم ويعظم ثوابهم{[1901]} .