/م107
يؤكّد الله سبحانه وتعالى في الآية التالية تأكيداً شديداً على مسألة حياتية مهمّة ،ويأمر نبيّه بصراحة أن ( لا تقم فيه أبداً ) بل ( لمسجد أُسس على التقوى من أوّل يوم أحق أن تقوم فيه ) لا المسجد الذي أسس من أوّل يوم على الكفر والنفاق وتقويض أركان الدين .
إِنّ كلمة ( أحق ) وإن كانت أفعل التفضيل ،إلاّ أنّها لم تأت هنا بمعنى المقارنة بين شيئين في التناسي والملاءمة ،بل هي تقارن بين التناسب وعدمه ،والملاءمة وعدمها ،ومثل هذا التعبير يستعمل كثيراً في آيات القرآن الكريم والأحاديث ،بل وفي محادثاتنا اليومية ،وله نماذج عديدة .
فمثلا نقول للشخص المجرم والسارق: إنّ الاستقامة والعمل الصالح الصحيح خير لك ،فإنّ هذا الكلام لا يعني أنّ السرقة والتلوث بالجريمة شيء حسن ،وأن الاستقامة والطهارة أحسن ،بل معناه أن الاستقامة وحسن السيرة شيء حسن ،وأنّ السرقة عمل سيء وغير مناسب .
وقال المفسّرون: إِنّ المسجد الذي أشارت الآية إِلى أنّه يستحق أن يصلي فيه النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو «مسجد قبا » حيث بنى المنافقون مسجد ضرار على مقربة منه .
واحتُمل أيضاً أن يكون المقصود منه مسجد النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،أو كل المساجد التي بنيت على أساس التقوى ،إلاّ أنّنا لاحظنا تعبير ( أوّل يوم ) وأن مسجد قبا هو أوّل مسجد بني في المدينة{[1684]} ،علمنا أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب والأرجح ،ولو أنّ هذه الكلمة تناسب أيضاً مساجد أُخرى كمسجد النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثمّ يضيف القرآن الكريم أنّه بالإِضافة إِلى أنّ هذا المسجد قد أسس على أساس التقوى ،فإنّ( فيه رجال يحبّون أن يتطهروا والله يحبّ المطهرين ) .
ولكن هل المراد من الطهارة في هذه الآية هي الطهارة الظاهرية والجسمية ،أم المعنوية ؟
هناك بحث بين المفسّرين في الرّواية التي نقلت في تفسير ( التبيان ) و( مجمع البيان ) في ذيل هذه الآية عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال لأهل قبا: «ماذا تفعلون في طهركم ،فإنّ الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء ؟» قالوا: نغسل أثر الغائط .
وقد نقلت روايات أُخرى بهذا المضمون عن الإِمام الباقر والصادق( عليهما السلام ) ،لكنكما قلنا سابقاً وأشرنا مراراًمثل هذه الرّوايات لا تدل على انحصار مفهوم الآية في هذا المصداق ،بلوكما يشير ظاهر إطلاق الآيةأنّ للطهارة هنا معنى واسعاً يشمل كل أنواع التطهير ،سواء التطهير الروحي من آثار الشرك والذنوب ،أو التطهير الجسمي من الأوساخ والنجاسات .
/خ110