/م107
فالآية الأُولى تقول: ( والذين اتخذوا مسجداً ){[1683]} وأخفوا أهدافهم الشريرة تحت هذا الاسم المقدس ،ثمّ لخصت أهدافهم في أربعة أهداف:
1إِنّ هؤلاء كانوا يقصدون من هذا العمل إِلحاق الضرر بالمسلمين ،فكان مسجدهم ( ضراراً ) .
«الضرار » تعني الإضرار العمدي ،وهؤلاء في الواقع بعكس ما كانوا يدّعونه من أنّ هدفهم تأمين مصالح المسلمين ومساعدة المرضى والعاجزين عن العمل ،كانوا يسعون من خلال هذه المقدمات إِلى المكيدة بالنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورسالته ،وسحق المسلمين ،بل إذا استطاعوا أن يقتلعوا الدين الإسلامي وجذوره من صفحة الوجود فإنّهم سوف لا يقصرون في هذا السبيل .
2تقوية أُسس الكفر ،ومحاولة إِرجاع الناس إِلى الحالة التي كانوا يعيشونها قبل الإِسلام: ( وكفراً ) .
3إِيجاد الفرقة بين المسلمين ،لأنّ اجتماع فئة من المسلمين في هذا المسجد سيقلل من عظمة التجمع في مسجد قبا الذي كان قريباً منه ،أو مسجد النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )الذي كان يبعد عنه ،( وتفريقاً بين المؤمنين ) .
ويظهر من هذه الجملةوكذلك فهم بعض المفسّرينأنّ المسافة بين المساجد يجب أن لا تكون قليلة بحيث يؤثر الإِجتماع في مسجد على جماعة المسجد الآخر ،وعلى هذا فإنّ الذين يبنون المساجد أحدها إِلى جانب الآخر بدافع من التعصب القومي ،أو الأغراض الشخصية ويفرقون جماعات المسلمين بحيث تبقى صفوف الجماعة خالية لا روح فيها ولا جاذبية ،يرتكبون ما يخالف الأهداف الإِسلامية .
4والهدف الأخير لهؤلاء هو تأسيس مقر ومركز لإيواء المخالفين للدين وأصحاب السوابق ،السيئة ،والإِنطلاق من هذا المقر في سبيل تنفيذ خططهم ومؤامراتهم: ( وإِرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ) .
إِلاّ أنّ ممّا يثير العجب أنّ هؤلاء قد أخفوا كل هذه الأغراض الشريرة والأهداف المشؤومة في لباس جميل ومظهر خداع ،وأنّهم لا يريدون إلاّ الخير: ( وليحلفن إِن أردنا إلاّ الحسنى ) وهذا هو دين المنافقين وديدنهم في كل العصور ،فإنّهم إضافة إِلى تلبسهم بلباس حسن ،فإنّهم يتوسلون عند الضرورة بأنواع الأيمان الكاذبة من أجل تضليل الرأي العام ،وانحراف الأفكار .
إِلاّ أنّ القرآن الكريم يبيّن أن الله تعالى الذي يعلم السرائر وما في مكنون الضمائر ،والذي تساوى لديه الظاهر والباطن ،والغيب والشهادة يشهد على كذب هؤلاء: ( والله يشهد إِنّهم لكاذبون ) .
في هذه الجملة نلاحظ عدة تأكيدات لتكذيب هؤلاء ،فهي جملة اسمية أوّلا ،ثمّ إنّ كلمة ( إِن ) للتأكيد ،وأيضاً اللام في ( لكاذبون ) ،والتي تسمى لام الابتداء تفيد التأكيد ،وكذلك فإنّ مجيء كلمة ( كاذبون ) مكان الفعل الماضي دليل على استمرارية كذب هؤلاء ،وبهذه التأكيدات فإنّ الله سبحانه وتعالى قد كذّب أيمان هؤلاء المغلظة والمؤكدة أشد تكذيب .
/خ110