ضرارا: لمحاولة الضرر .
أرصادا: ارتقابا .
سبب نزول هذه الآيات أنه كان في المدينة رجل اسمه أبو عامر الراهب ،قد تنصّر في الجاهلية وقرأ التوراة .وكان فيه عبادةٌ في الجاهلية وله شرفٌ كبير بين قومه من الأوس والخزرج ،فلما قدِم الرسول إلى المدينة دعاه إلى الله وقرأ عليه القرآن ،فأبى أبو عامرٍ أن يُسلم وتمرَّد ،فدعا عليه الرسول أن يموت طريداً ...فنالته الدعوة وماتَ في بلاد الروم .
وقد تجمَّع حوله جماعةٌ من المنافقين ،ورأوا أن أفضلَ وسيلةٍ يكيدون فيها للإسلام ونبيّه الكريم أن يبنوا مسجداً تحت شعار الدين ،ثم يعملون للكفرِ بالله ورسوله ،ولهدْمِ الإسلام ،والإضرار بالمسلمين وتفريقِ كلمتهم .
وقد بنوا المسجد وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ،وجاؤوا فسألوه أن يصلّيَ في مسجدهم ليكون ذلك ذريعةً إلى غَرِضهم ،وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلّة في الليلة الشاتية .فقال لهم الرسول الكريم: إنا على سَفرٍ ،ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .
وقبل أن يصل المدينةَ في رجوعه من تبوك نزلت عليه هذه الآيات ،فبعثَ بعضَ أصحابه وأمرهم أن يهِدموا ذلك المسجدَ ،ففعلوا .
أما أبو عامر الفاسق كما سمّاه الرسول فإنه لما رأى الإسلام في ظهورٍ وارتفاع ،هربَ إلى هِرَقْلَ ملكِ الروم يستنصره .فوعده هذا وأقام أبو عامر عنده ،وكتب إلى جماعة من أهل النفاق في قومه يعدُهم بأنه سيقدم بجيشٍ يقاتل به رسول الله ،وأمرهم أن يتخذوا معقِلا يَقْدَم عليهم فيه ،ويكون له مرصدا بعد ذلك فشرعوا في بناء مسجدٍ مجاورٍ لمسجِد قُباء كما تقدّمت قصته ،وهلك أبو عامر ولم يعد .
وأبو عامر هذا من الأوس ،لكنه ورد في تفسير ابن كثير أنه من الخزرج ..وقديماً كانوا يسمُّون الأوسَ والخزرج باسمِ «الخزرج » .
هذا هو مسجد الضرار الذي اتخذ على عهد رسول الله مكيدةً للإسلام والمسلمين .
{والذين اتخذوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المؤمنين وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} .
من المنافقين جماعة بنوا مسجدا لا يبتغون به وجه الله ،وأنما لإلحاق الضرر والتفريق بين جماعة المؤمنين .وسيحلفون على أنهم ما أرادوا ببناء هذا المسجد إلا الخير والعمل الأحسن ،لكن الله يشهدُ عليهم أنهم كاذبون في أيمانهم .
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر: «الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ...» بدون واو والباقون: «والذين ....» .