{شَفَا جُرُفٍ}: حرفه ونهايته ،يضرب به المثل في القرب من الهلاك .
مناسبة النزول
جاء في مجمع البيان: قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء ،وبعثوا إلى رسول الله( ص ) أن يأتيهم ،فأتاهم وصلّى فيه ،فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا: نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد ،وكانوا اثني عشر رجلاً ،وقيل خمسة عشر رجلاً ،منهم ثعلبة بن حاطب ومعتّب بن قشير ونبتل بن الحرث ،فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء .فلما فرغوا منه ،أتوا رسول الله( ص ) وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية ،وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة ،فقال( ص ): إني على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم ،إن شاء الله ،فصلّينا لكم فيه ،فلما انصرف رسول الله من تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد ..قال: فوجّه رسول الله( ص ) عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم ،وكان مالك من بني عمرو بن عوف ،فقال لهما: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه ،وروي أنه بعث عمار بن ياسر ووحشيّاً ،فحرَّقاه ،وأمر بأن يتخذ كناسة يلقى فيها الجيف
الموقف الواعي والموقف المزاجي
وهنا يتساءل القرآن ،لتأكيد القاعدة التي تفرض الموقف الإيجابي أو السلبي في الحياة ،فهناك فرقٌ كبيرٌ بين الموقف الذي يرتكز على أساس الوعي الكامل لمسألة الإيمان في ما يمثّله من مفهوم وعقيدةٍ وخطٍّ واضحٍ يتّصل بتقوى الله ،في عمليّة مراقبةٍ ومحاسبةٍ وحركةٍ واعيةٍ قويّةٍ تستهدف رضا الله في الإقدام على الفعل أو الترك ،وبين الموقف الذي لا يرتكز على أساس ثابتٍ لخضوعه للحالات المزاجيّة الطارئة والأطماع الشخصية والأفكار القلقة التي تدفع الإنسان إلى تلبية النوازع الذاتيّة المعقّدة .ففي الموقف الأوّل ،هناك رضوان الله الذي يسبغه الله على عباده المؤمنين الواعين ،في وعي العقيدة والعمل الثابتين في حالات الاهتزاز ،وفي الموقف الثاني ،هناك الانهيار الكبير للشخصية ،لفقدانهم الثوابت الفكرية والروحية التي تمنع السقوط في الحضيض .
بنيان التقوى وبنيان الشك
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ} أي من أسس فكره على قاعدة التقوى في حسابات المفاهيم المحدّدة الواضحة ،وأطلق إرادته وفق قاعدة الارتباط برضوان الله ،لتكون متصلةً بإرادة الله ،في خضوعٍ وإيمانٍ{خيٌرٌ أم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} أي من أسس فكره ووجوده على حافة الوادي المهتز في حركة الانهيارات المتساقطة من أعلى{فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} حيث السقوط المميت الذي لا يستقر معه الساقطون على قرارٍ .وتلك هي النهاية التي ينتهي إليها أولئك الذين لا يفتحون عيونهم للنتائج من خلال حركة الطريق ،ولا يفتحون قلوبهم للهدى من خلال خطّ السير ،وإذا أغفل الإنسان ذلك كله ،فماذا هناك إلا الضلال ،{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والتمرد والعصيان ،لأنهم اختاروا ذلك لأنفسهم ،بعد أن فتح الله لهم أبواب الهداية على مصاريعها ،فتركوها وساروا في طريق الضلال .