أولاً : التمهيد للسورة :
- • محور السورة:: سورة السجدة نعرف محورها من اسمها: (السجدة)، فهي سورة الخضوع لله سبحانه وتعالى، لذلك حملت اسمًا هو رمز الخضوع والتسليم: السجود. وفيها آية السجدة التي تصوّر المؤمنين يخرّون سجدًا، وهذه قمة الخضوع: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
- • بداية السورة:: بدأت السورة بأن القرآن منزل من عند الله رب العالمين، ثم دعت للتأمل في قدرته تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... ﴾ (4)، فمن تأمل قدرة مولاه خضع له ولم يتكبر. ثم: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ (5)، وطالما أنه هو الذي يدبر الأمر وجب الخضوع له سبحانه. ثم: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ (7). ولأنها سورة الخضوع؛ يأتي فيها ذكر الموت، حتى نتذكر الآخرة، ويفيق الغافلون من غفلتهم ويخضعوا لله حتى يكونوا من الفائزين في الدنيا والآخرة: ﴿قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (11).
- • مع أي الفريقين أنت؟: الفريق الأول: وهم الذين لم يخضعوا لله في الدنيا، فتبين السورة عقابهم، فعدم الخضوع لله في الدنيا إيمانًا به وتعظيمًا له ينتج عنه خضوع ذلٍ في الآخرة: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ (12). الفريق الثاني: وهم الذين يخضعون لله تعالى في الدنيا، فتمدحهم السورة: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّدًا وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (15)، المؤمنون خاضعون لله والسجود لله عندهم عزة ورفعة. ثم وصفت حالهم: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (16)، فعندما يلجأون إلى النوم، ترفضه أجسامهم، وانظر إلى عبارة (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ) ما أروعها! فالنوم والسرير يمثلان بالنسبة لكثير من الناس الراحة، أما الخاضعون، فهم يرفضون النوم لما يحملونه من حب للعبادة وخوف من النار وطمعًا بالجنة. وكأن السورة تعرض لك النموذجين وتسألك: مع أي الفريقين أنت؟ ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ﴾ (18). والله تعالى يمهل أولئك المتكبرين حتى يعودوا إليه، ويرسل لهم بعض الابتلاءات والعذاب عساهم يخضعون لربهم جل وعلا: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (21). ثم تبين السورة كيف يكرم الله من خضع له من بني إسرائيل، ويعزه في الدنيا قبل الآخرة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (24).
- • وختام السورة:: ختمت السورة بهلاك المكذبين: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ (26)، فإن من عرف كيف أخذ الله من عصاه خضع له ولم يتكبر.
ثانيا : أسماء السورة :
- • الاسم التوقيفي :: «السجدة»، و«آلم تنزيل»، و«آلم تنزيل السجدة».
- • معنى الاسم :: السجود هو الخضوع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض.
- • سبب التسمية :: سميت «السجدة»؛ لما ذكر الله فيها من أوصاف المؤمنين الذين إذا سمعوا آيات القرآن خروا سجدًا، وفيها آية سجدة، وسميت «آلم تنزيل»، و«آلم تنزيل السجدة» تسمية للسورة بمفتتحها.
- • أسماء أخرى اجتهادية :: «سورة المضاجع»؛ لوقوع هذا اللفظ بها (وقد ورد في غيرها)، وسورة «سجدة لقمان» لوقوعها بعد سورة لقمان، أي سورة السجدة المجاورة لسورة لقمان، كما سموا سورة «حم السجدة» وهي سورة فصلت «سورة سجدة المؤمن»؛ لوقوعها بعد سورة المؤمن (غافر).
ثالثا : علمتني السورة :
- • علمتني السورة :: الخضوع لله، والاستسلام المطلق له سبحانه.
- • علمتني السورة :: أن الحكمة من بعثة الرسل هي هداية أقوامهم إلى الصراط المستقيم: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾
- • علمتني السورة :: ثبوت صفة الاستواء لله من غير تشبيه ولا تمثيل: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴾
- • علمتني السورة :: السجدة أن تدبير الله لنا أسرع من وقت انتظارنا؛ لنتفاءل ونُحسن الظن بالله، فهو على كل شيء قدير: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾