أولاً : التمهيد للسورة :
- • هؤلاء شكروا وهؤلاء كفروا:: بدأت السورة بـ: 1- بيان ربوبية الله وألوهيته وقدرته سبحانه وتعالى، ثم: 2- الإخبار عن إنكار كفار مكة للبعث والجزاء، وسخريتهم من النبي ﷺ، وقد هدَّدهم الله على ذلك بالعذاب مِن فوقهم، أو من تحت أرجلهم، ثم أعقب ذلك بـ: 3- قصة داود وسليمان عليهما السلام، ثم قصة قوم سبأ. ويشترك أصحاب القصتين في أن الله قد أنعم عليهم بالخيرات، ورزقهم من الطيبات، حتى شبعوا وأَمِنُوا، ولكن آل داود آمنوا وشكروا، وآل سبأ بطروا وكفروا، فكانت القصتان مثَلين لأمَّتين إحداهما شاكرة، والأخرى كافرة، وكانت أمَّة داود الشاكرة المرحومة مثلًا للنبي ﷺ ومَن آمن معه، وفي ذلك تثبيت لهم على إيمانهم، وربط على قلوبهم، كما كانت أمَّة سبأ الكافرة المعذَّبة مثلًا لكفار قريش؛ لإنذارهم من العذاب كما عذب الله قوم سبأ.
- • من هي سبأ؟: إن سبأً قومٌ اكتملتْ نِعَمُهم؛ فأرزاقُهم حاضرة، وأرضهم مخضرَّة، وسماؤهم ممطرة، وثمارهم يانعة، وضروعهم دارَّة، تحيط بمساكنهم الأشجارُ والثمار، وتملأ جنبتي بلادهم؛ فلا يسيرون إلا في خضرة من الأرض، ولا يأكلون إلا أطيب الطعام والثمار، يشربون من الماء أعذبَه، ويتنفسون من الهواء أنقاه، حتى ذكر المفسِّرون خلو أرضهم وأجوائهم من الهوام والحشرات المؤذية، وهذا من أكمل ما يكون للعيش الرغيد، والراحة التامة، والنعم الكاملة. ولم يطلب ربُّهم منهم مقابلَ هذه النعم المتتابعة إلا شكرَه عليها، بإقامة دينه وتحقيق توحيده: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ (15)، فوصفها الله بأنها بلدة طيبة؛ فكل شيء فيها طيِّب. وقد عفا الله عنهم ما مضى مِن كفرهم وتجاوزهم، فلم يستأصلهم به، ودعاهم إلى شكره، بتذكيرهم بمغفرته ورزقه: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ (15). لكنهم قابلوا دعوة الله لهم بالإعراض والاستكبار، والإعراضُ أشدُّ أنواع الكفر، فاستحقوا العذابَ والدمار: ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ (16)، ففتح الله عليهم سدَّهم؛ ليغرق بلادهم، ويهلك حرثهم وأنعامهم، ويتلف أشجارهم وثمارهم، فأضحتْ بلادُهم بعد الخضرة مغبرَّةً، وبعد الجدة مقفرةً، وبعد السَّعة ضيقةً، وذهبتْ نعمهم في لمح البصر، وصاروا ممحلين لا يلوون على شيء.
ثانيا : أسماء السورة :
- • الاسم التوقيفي :: «سبأ».
- • معنى الاسم :: سبأ: هي أرض باليمن، مدينتها مأرب.
- • سبب التسمية :: لأن الله ذكر فيها قصة سبأ، وقد كان أهلها في نعمة ورخاء، وكانت مساكنهم حدائق وجنات فلما كفروا النعمة دمرهم الله بسيل العرم وجعلهم عبرة لمن يعتبر.
- • أسماء أخرى اجتهادية :: لا أعرف لها اسمًا غيره.
ثالثا : علمتني السورة :
- • علمتني السورة :: أن العبودية سبيل العمران.
- • علمتني السورة :: حسن عاقبة الشاكرين وسوء عاقبة الجاحدين.
- • علمتني السورة :: لأن تكذيب الحضارات وكفرها بالله تعالى هو سبب هلاكها.
- • علمتني السورة :: أن الغنى لا يدل على محبة الله للعبد: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ...﴾