قال الله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } ؛ رَوَى ابن عون عن محمد بن سيرين قال : " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى رفع رأسه إلى السماء ، فلما نزلت : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } نكس رأسه " . وروى هشام عن محمد قال : " لما نزلت : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } خفضوا أبصارهم فكان الرجل يحب أن لا يجاوز بصره موضع سجوده " . ورُوي عن جماعة : " الخشوع في الصلاة أن لا يجاوز بصره موضع سجوده " . ورُوي عن إبراهيم ومجاهد والزهري : " الخشوع السكون " . ورَوَى المسعودي عن أبي سنان عن رجل منهم قال : سئل عليٌّ عن قوله : { الّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } قال : " الخشوع في القلب وأن تلين كتفك للمرء المسلم ولا تلتفت في صلاتك " . وقال الحسن : " خاشعون خائفون " .
قال أبو بكر : الخشوع ينتظم هذه المعاني كلها من السكون في الصلاة والتذلّل وتَرْك الالتفات والحركة والخوف من الله تعالى ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اسْكُنُوا في الصَّلاةِ وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ في الصَّلاةِ " وقال : " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وأَنْ لا أَكُفَّ شَعَراً ولا ثَوْباً " ؛ وأنه نهى عن مسّ الحصى في الصلاة وقال : " إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فإنّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فإذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَتْ عَنْهُ " . ورَوَى الزهري عن سعيد بن المسيب : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلمح في الصلاة ولا يلتفت " . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو توبة قال : حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال : حدثني السَّلُولي أنه حدثه سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وذكر الحديث إلى قوله : " مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ ؟ " قال أنس بن أبي مرثد الغنوي : أنا يا رسول الله ، قال : " فَارْكَبْ ! " فركب فرساً له ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسْتَقْبِلْ هذا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ في أَعْلاهُ ولا يُغِرْنَ منْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ " ؛ فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصَلاّه فركع ركعتين ثم قال : " هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ ؟ " قالوا : يا رسول الله ما أحسسناه ؛ فثُوِّبَ بالصلاة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي وهو يلتفت إلى الشِّعْبِ حتى إذا قَضَى صلاته وسلَّم قال : " أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ " . فأخبر في هذا الحديث أنه كان يلتفت إلى الشعب وهو في الصلاة ، وهذا عندنا كان عذراً من وجهين ، أحدهما : أنه لم يأمن من مجيء العدو من تلك الناحية ، والثاني : اشتغال قلبه بالفارس إلى أن طلع . ورُوي عن إبراهيم النخعي أنه كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً . ورَوَى حمّاد بن سلمة عن حميد عن معاوية بن قُرَّةَ قال : قيل لابن عمر : إن ابن الزبير إذا صلى لم يقل هكذا ولا هكذا ! قال : لكنا نقول هكذا وهكذا ونكون مثل الناس . ورُوي عن ابن عمر أنه كان لا يلتفت في الصلاة ؛ فعلمنا أن الالتفات المنهيَّ عنه أن يولي وجهه يمنةً ويسرةً ، فأما أن يلحظ يمنة ويسرة فإنه غير منهيّ عنه . وروى سفيان عن الأعمش قال : " كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة كأنه ثَوْبٌ مُلْقًى " . وروى أبو مجلز عن أبي عبيدة قال : " كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة خفض فيها صوته وبدنه وبصره " . ورَوَى علي بن صالح عن زبير الياميّ قال : " كان إذا أراد أن يصلّي كأنه خشبة " .