الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : الْفَصِيلَةُ فِي اللُّغَةِ عِنْدَهُمْ أَقْرَبُ من الْقَبِيلَةِ ، وَأَصْلُ الْفَصِيلَةِ الْقِطْعَةُ من اللَّحْمِ . وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْفَصِيلَةَ من فَصَلَ ، أَيْ قَطَعَ ، أَيْ مَفْصُولَةٌ كَالْأَكِيلَةِ من أَكَلَ ، وَالْأَخِيذَةِ من أَخَذَ ؛ وَكُلُّ شَيْءٍ فَصَلْتَهُ من شَيْءٍ فَهُوَ فَصِيلَةٌ ؛ فَهَذَا حَقِيقَةٌ فِيهِ يَشْهَدُ لَهُ الِاشْتِقَاقُ . وَأَدْنَى الْفَصِيلَةِ الْأَبَوَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { خُلِقَ من مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ من بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } . وَقَالَ : { وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ من بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } ؛ فَهَذَا هُوَ أَدْنَى الْأَدْنَى ، وَلِهَذَا التَّحْقِيقِ تَفَطَّنَ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَحَبْرُ الْمِلَّةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَشْهَبُ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ } قَالَ : هِيَ أُمُّهُ ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ ، ثُمَّ صَرَّحَ بِالْأَصْلِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : هِيَ عَشِيرَتُهُ ، وَالْعَشِيرَةُ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَصِيلَةً فَإِنَّ الْفَصِيلَةَ الدَّانِيَةَ هِيَ الْأُمُّ ، وَهِيَ أَيْضًا الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي من عَذَابِ يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ » فَذَكَرَ لِلْقَرَابَةِ مَعْنَيَيْنِ ، وَخَتَمَهَا بِالْفَصِيلَةِ الْمُخْتَصَّةِ مِنْهُمْ ، وَهِيَ الْأُمُّ .
المسألة الثَّانِيَةُ : إذَا حَبَسَ عَلَى فَصِيلَتِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَمَنْ رَاعَى الْعُمُومَ حَمَلَهُ عَلَى الْعَشِيرَةِ ، وَمَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ حَمَلَهُ عَلَى الْأُمِّ ، وَالْأُولَى أَكْثَرُ فِي النُّطْقِ .