الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } .
الْمَعْنَى : اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا .
وَمَنْ قَرَأَ وَالْأَرْحَامِ فَقَدْ أَكَّدَهَا حَتَّى قَرَنَهَا بِنَفْسِهِ .
وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْمِلَّةُ أَنَّ صِلَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ قَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ ، وَثَبَتَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ : «إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ » .
فَلِتَأْكِيدِهَا دَخَلَ الْفَضْلُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ الْكَافِرَةِ ، فَانْتَهَى الْحَالُ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَى أَنْ يَقُولُوا : «إنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَتَوَارَثُونَ ، وَيَعْتِقُونَ عَلَى مَنِ اشْتَرَاهُمْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِمْ ، لِحُرْمَةِ الرَّحِمِ وَتَأْكِيدًا لِلْبَعْضِيَّةِ ، وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ » .
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَمَا بَيْنَهُمْ مِنْ تَعَصُّبَةٍ وَمَا يَجِبُ لِلرَّحِمِ عَلَيْهِمْ مِنْ صِلَةٍ مَعْلُومٌ عَقْلًا مُؤَكَّدٌ شَرْعًا ، لَكِنَّ قَضَاءَ الْمِيرَاثِ قَدْ أَحْكَمْتُهُ السُّنَّةُ وَالشَّرِيعَةُ ، وَبَيَّنَتْ أَعْيَانَ الْوَارِثِينَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ حَظٌّ لَفُصِّلَ لَهُمْ ، أَمَّا الْحُكْمُ بِالْعِتْقِ فَقَدْ نَقَضُوهُ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُعَلِّقُوهُ بِالرَّحِمِ الْمُطْلَقَةِ حَسْبَمَا قَضَى ظَاهِرُ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا أَنَاطُوهُ بِرَحِمِ الْمَحْرَمِيَّةِ ؛ وَذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّقٌ بِإِشَارَةِ الْحَدِيثِ .
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِمَا نَكَتَتْهُ أَنَّهُ عُمُومٌ خَصَّصْنَاهُ فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، بِدَلِيلِ الْمَعْنَى الْمُقَرَّرِ هُنَالِكَ .