المسألة السَّادِسَةُ : وَهِيَ مِن الْآيَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ : { نِصْفَهُ } .
ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ أَنَّ قَوْلَهُ : { نِصْفَهُ } دَلِيلٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْجُمْلَةِ ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءَ شَيْءٍ فَبَقِيَ مِثْلُهُ ، وَالْمَطْلُوبُ اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْجُمْلَةِ فَبَقِيَ أَقَلُّ مِنْهَا تَحْتَ اللَّفْظِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْجَمِيعِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : { نِصْفَهُ } بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : { اللَّيْلَ } ؛ كَأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ قُمْ نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ يَسِيرًا ، وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحِ : بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ، «اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا » ذَكَرَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَآخِرَهُ .
وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ : { نِصْفَهُ } بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ : { قَلِيلًا } كَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ : قُمْ اللَّيْلَ إلَّا نِصْفَهُ ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ ، وَيَكُونُ أَيْضًا اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ مُتَنَاوِلِ الْجُمْلَةِ ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، لَا سِيَّمَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَفِي الصَّحِيحِ : «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِحَبْلٍ مُعَلَّقٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ لَهُ : فُلَانَةُ تُصَلِّي لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ، فَإِذَا أُضْعِفَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اكْلَفُوا مِن الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا » . وَقَدْ انْدَرَجَتْ