{فهو في عيشة راضية ،وأمّا من خفت موازينه ،فأُمّه هاوية ،وما أدراك ماهيه{[6137]} نار حامية} .
«موازين » جمع ميزان ،وهو وسيلة للوزن ،تستعمل في وزن الأجسام ،ثمّ استعملت في المعايير المعنوية .
وذهب بعضهم إلى أنّ أعمال الإنسان تتجسم في ذلك اليوم ،وتصبح قابلة للوزن ،وتوزن حقيقة بميزان الأعمال .
وقيل أيضاً: إنّ صحيفة أعمال الفرد هي التي توزن ،فإن كانت تحمل صالحاً ثقلت ،وإلاّ خفت أو انعدم وزنها .
وفي الواقع ،ليس من الضروري أن يكون الميزان هو الآلة المعروفة ذات الكفتين ،بل هو كلّ وسيلة لتقويم الوزن ،كما ورد في الحديث: «إنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريّته( عليهم السلام ) هم الموازين »{[6138]} .
وعن الإمام الصادق( عليه السلام )حين سئل عن معنى الميزان قال: «الميزان العدل »{[6139]} .
وبهذا نفهم أنّ أولياء اللّه وقوانين العدل الإلهي هي موازين يعرض عليها النّاس وأعمالهم ،ويتمّ قياس الوزن على مقدار الشبه والمطابقة .
واضح أنّ المقصود بثقل الموازين وخفتها هو ثقل الأشياء التي توزن بها ،وخفة تلك الأشياء .
والتعبير بكلمة ( موازين ) بصيغة الجمع يعود إلى أن كل واحد من أولياء اللّه ،وكل قانون من القوانين الإلهية ،إنّما هو ميزان .أضف إلى ذلك أن تنوع مواصفات الكائن البشري وأعماله يحتاج إلى تنوع في الموازين .
الراغب في المفردات يقول: وذكر في مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتباراً بالمحاسِب ( بكسر السين ) ،وفي مواضع الجمع اعتباراً بالمحاسَبين{[6140]} ( بفتح السين ) .
بعض المفسّرين قال: إنّ الموازين جمع الموزون ،أي العمل الذي يوزن ،فثقل الموازين وخفتها إذن هو ثقل نفس الأعمال وخفتها .لا ثقل الميزان وخفته{[6141]} .
نتيجة الاثنين طبعاً واحدة ،ولكن من طريقين مختلفين .
في هذا الموضوع شرح أكثر فصلناه في تفسير الآيتين 8 و9 من سورة الأعراف ،والآية ( 105 ) من سورة الكهف ،والآية ( 102 ) من سورة المؤمنون .
وصف العيشة بأنّها «راضية » وصف رائع عن حياة ملؤها النعمة ورغد العيش لأهل الجنّة في القيامة .الرضا في تلك الحياة عميق إلى درجة قال إنّها:{عيشة راضية} ،ولم يقل «مرضية » .أي استعمل بدل اسم المفعول اسم الفاعل لمزيد من التأكيد{[6142]} .
هذه ميزة الحياة الآخرة بشكل خاص ؛لأنّ الحياة الدنيا - مهما كان فيها من رفاه ونعمة ورغد عيش ورضا - لا تخلو من المكدرات .الحياة الأُخرى هي وحدها المليئة بالرضا والأمن والسلام وهدوء البال .
/خ11