ولئلا يبقى مجالُ للإبهام والغموض والتردد ،ولئلا يفسر فرعون ذلك تفسيراً آخر فإنّهم قالوا: ( ربّ موسى وهارون ) .
وهذا التعبير يدّل على أنّه وإن كان موسى( عليه السلام ) متكفلاً لأمر المبارزة وإلقاء العصا ومحاججة السحرة ،إلاّ أنّ أخاه هارون كان يعاضده في الأمر ،وكان مستعداً لتقديم أي عون لأخيه .
وهذا التبدل والتغيّر المفاجئ العجيب في نفوس السحرة بحيث خطوا في لحظة واحدة من الظلمة المطلقة إلى النور المبين .ولم يكتفوا بذلك حتى أقحموا أنفسهم في خطر القتل ،وأعرضوا عن مغريات فرعون ومصالحهم المادية ...كلّ ذلك لما كان عندهم من «علم » استطاعوا من خلاله أن يتركوا الباطل ويتمسكوا بالحقّ !
إنّهم لم يجوبوا باقي الطريق بخطى العقل فحسب ،بل ركبوا خيول العِشْقِ ،وقد سكروا من عطر أزهاره ،حتى كأنّهم لم يفيقوا من سكرتهم ،وسنرى أنّهم لِهذا السبب استقاموا بشجاعة أمام تهديدات فرعون الرهيبة ...
نقرأُ حديثاً عن الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال: «ما من قلب إلاّ بين إصبعين من أصابع الرحمان ،إن شاء أقامه ،وإن شاء أزاغه »{[2916]} ( وبديهي أن مشيئة الله في هاتين المرحلتين تتعلق باستعداد الإنسان ،وهذا التوفيق أو سلب التوفيق إنّما هو لأجل قابلية القلوب المختلفة ،وليس اعتباطاً ) .