الآية التالية ترد على هذا التساؤل المقرون بالسخرية بجواب قاطع حازم ،وتخبرهم بأنّ قيام الساعة ليس بالأمر المعقّد أو المشكل بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى: ( ما ينظرون إلاّ صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون ) .
فكلّ ما يقع هو صيحة سماوية كافية لأن تقبض فيها أرواح جميع المتبقّين من الناس على سطح الأرض بلحظة واحدة وهم على حالهم ،وتنتهي هذه الحياة المليئة بالصخب والدعاوى والمعارك والحروب ،ليتخلّف وراءها صمت مطبق ،وتخلو الأرض من أي صوت أو إزعاج .
وفي حديث عن الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتّى تقوم ،والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتّى تقوم ،والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم »{[3696]} .
جملة «ما ينظرون » هنا بمعنى «ما ينتظرون » ،فكما يقول ( الراغب ) في مفرداته «النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ،وقد يراد به التأمّل والفحص ،وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ،وهو الرويّة ،والنظر الانتظار » .
«صيحة » صاح: رفع الصوت ،وأصله تشقيق الصوت من قولهم انصاح الخشب أو الثوب إذا انشقّ فسمع منه صوت ،وصيح الثوب كذلك ،ويقال: بأرض فلان شجر قد صاح ،إذا طال فتبيّن للناظر لطوله ،ودلّ على نفسه بصوته .
«يخصّمون » من مادّة «خصم » بمعنى النزاع .
أمّا فيم كانوا يختصمون ؟لم تذكر الآية ذلك ،ولكن من الواضح أنّ المقصود هو التخاصم على أمر الدنيا والاُمور المعيشية الاُخرى ،ولكن البعض يرى: إنّه تخاصم في أمر «المعاد » ،والمعنى الأوّل أنسب على ما يبدو ،وإن كان اعتبار شمول الآية لكلا المعنيين ،وأي نوع من النزاع والخصومة ليس ببعيد .
ومن الجدير بالملاحظة أنّ الضمائر المتعدّدة في الآية جميعها تعود على مشركي مكّة الذين كانوا يشكّكون في أمر المعاد ،ويستهزئون بذلك بقولهم: متى تقوم الساعة ؟
ولكن المسلّم به أنّ الآية لا تقصد أشخاص هؤلاء ،بل نوعهم «نوع البشر الغافلين عن أمر المعاد » لأنّهم ماتوا ولم يسمعوا تلك الصيحة السماوية أبداً «تأمّل بدقّة » !!
على كلّ حال ،فإنّ القرآن بهذا التعبير القصير والحازم إنّما أراد تنبيههم إلى أنّ القيامة ستأتي وبشكل غير متوقّع ،وهذا أوّلا .وأمّا ثانياً فإنّ قيام الساعة ليس بالموضوع المعقّد بحيث يختصمون ويتنازعون فيه ،فبمجرّد صيحة واحدة ينتهي كلّ شيء وتنتهي الدنيا بأسرها .