وتضيف ملائكة الرحمن: وإنّنا جميعاً مصطفون عند الله في انتظار أوامره ،( وإنّا لنحن الصافّون ) .
وإنّنا جميعاً نسبّحه ،وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه ( وإنّا لنحن المسبّحون ) .
نعم ،نحن عباد الله ،وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بانتظار سماع أوامره ،إنّنا لسنا أبناء الله ،إنّنا ننزّه الباري عز وجل من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين .
في الحقيقة ،إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة .
الأولى: هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه .
والثانية: هي أنّهم مستعدّون دائماً لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ،وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين ( 26 ) و ( 27 ) من سورة الأنبياء ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) .
والثالثة: أنّهم يسبّحون الله دائماً وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه .
الآيتان ( إنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون ) تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ،وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين: إنّ الملائكة تريد أن تقول: نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ،وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ،ولا يمكن المقارنة بينهما .
والذي يلفت الانتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،قال فيه: «ما في السموات موضع شبر إلاّ وعليه ملك يصلّي ويسبّح » .
وجاء في رواية أخرى: «ما في السماء موضع قدم إلاّ عليه ملك ساجد أو قائم » .
وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان جالساً مع مجموعة من أصحابه ،فقال لهم: «أطت السماء وحقّ لها أن تأط !ليس فيها موضع قدم إلاّ عليه ملك راكع أو ساجد ،ثمّ قرأ: ( وإنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون ) » .
العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتّظ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له .