/م1
الآية التالية تقول لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): إذا رأيت هؤلاء لا يستسلمون لآيات الله الواضحة ولقرآنه المجيد ،فاعلم أنّ سبب هذا لا يعود إلى أنّ هناك ستاراً يغطّي كلام الحقّ ،وإنّما هم مبتلون بالتكبّر والغرور اللذين يمنعان الكافرين من قبول الحقّ ،كما أنّ عنادهم وعصيانهمهما أيضاًمانع يحول دون تقبّلهم لدعوتك ( بل الذين كفروا في عزّة وشقاق ) .
«العزّة » كما قال الراغب في مفرداته ،هي حالة تحوّل دون هزيمة الإنسان ( حالة الذي لا يقهر ) وهي مشتقّة من ( عزاز ) وتعني الأرض الصلبة المتينة التيلا ينفذ الماء خلالها ،وتعطي معنيين ،فأحياناً تعني ( العزّة الممدوحة ) المحترمة ،كما في وصف ذات الله الطاهر بالعزيز ،وأحياناً تعني ( العزّة بالإثم ) أي الوقوف بوجه الحقّ والتكبّر عن قبول الواقع ،وهذه العزّة مذلّة في حقيقة الأمر .
«شقاق » مشتقّة من ( شقّ ) ،ومعناه واضح ،ثمّ استعمل في معنى المخالفة ،لأنّ الاختلاف يسبّب في أن تقف كلّ مجموعة في شقّ ،أي في جانب .
القرآن هنا يعدّ مسألة العجرفة والتكبّر والغرور وطيّ طريق الانفصال والتفرقة من أسباب تعاسة الكافرين ،نعم هذه الصفات القبيحة والسيّئة تعمي عين الإنسان وتصمّ آذانه ،وتفقده إحساسه ،وكم هو مؤلم أن يكون للإنسان عيون تبصر وآذان تسمع ولكنّه يبدو كالأعمى والأصم .
فالآية ( 206 ) من سورة البقرة تقول: ( وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ) أي عندما يقال للمنافق: اتّق الله ،تأخذه العصبية والغرور واللجاجة ،وتؤدّي به إلى التوغّل في الذنب والسقوط في نار جهنّم وإنّها لبئس المكان .